You are here

Revision of حقوق الإنسان from Wed, 09/29/2021 - 16:49

المؤلف/ة
حُدّث بتاريخ:
16 آب/أغسطس 2021
معلومات بيبليوغرافية

 

في العام 1936، فسّر الزعيم الفلسطيني جمال الحسيني معنى حقوق الإنسان لأعضاء لجنة بيل الملكية البريطانية، وهي لجنة تحقيق حكومية جاءت في الأيام الأولى للثورة الكبرى في فلسطين ضد السيطرة الاستعمارية البريطانية والصهيونية. قال الحسيني في شهادته إنَّ البريطانيين يحرمون الفلسطينيين من حقوقهم، وهذه الحقوق "ليست مجرد هم اقتصادي محض". وشدد على الثقل الإنساني والأخلاقي لمفهوم الحقوق بما يتجاوز أهميتها السياسية والبراغماتية، وتابع: "حقوقنا وموقفنا لا يتعلقان فقط بخبزنا وزبدنا…. فنحن في النهاية بشر وستكون ردات فعلنا بناء على ذلك (Nafi 1998: 201). إنَّ الإنسان الذي ذكره الحسيني هو الذي يعرف معنى وتجربة الظلم، والذي يناضل لتأمين ظروف العيش الكريم والتحرر الجمعي.
لم تقتصر مطالبات القوميين الفلسطينيين بالمبادئ العالمية على لقاءاتهم مع الآذان الصماء للإمبريالية البريطانية، فقد أكد كتاب الصحف أيضًا على أهمية "الحرية، والحقوق، والاستقلال، والكرامة الوطنية" كدوافع وأهداف للثورة. وكانت هذه القيم المتعلقة بالحقوق العالمية والمطالبة بالكرامة هي التي حركت الثورة الكبرى في فلسطين.
كان استحضار الفلسطينيين لحقوق الإنسان ومناشداتهم لقيم أخرى في هذه الفترة، رغم أنه لم يكن شائعًا كما أصبح لاحقًا، جزءًا من محاولة أوسع لتقديم نقد ليبرالي لليبرالية البريطانية، وكشفًا لنفاق هذه الحكومة الغربية التي تدَّعي الديمقراطية ولكنها تسعى لتحقيق أهداف استعمارية. وكان هذا الاستحضار أيضًا جزءًا من محاولة أوسع لإجبار المحققين والقامعين على اعتبار الفلسطينيين كائنات سياسية وأخلاقية. ومنذ ذلك الحين، اتبعت سياسات حقوق الإنسان عادةً نفس النوع من المنطق.
حرَّكت فكرة حقوق الإنسان المساعي الفلسطينية من أجل التحرّر والاستقلال منذ أوائل القرن العشرين، وما تزال ركيزة أساسية للنضال. أعتقد أن هناك دروسًا من هذا التاريخ قد تكون مفيدة للذين يقاتلون من أجل التحرّر الفلسطيني اليوم. الدرس الأول هو أن لغة حقوق الإنسان، والقيم الأخلاقية والمبادئ السياسية الأخلاقية التي تشملها، قد تقنع بعض الجماهير أكثر من غيرها. والدرس الثاني هو أن لغة ونظام حقوق الإنسان، بما في ذلك التوثيق، والتقارير، وقرارات الأمم المتحدة، والأشكال الأخرى لتمثيل معاناة ضحايا انتهاكات الحقوق، وأنماط المناصرة التي تستخدم هذه التمثيلات، لا يمكن أن تكون فعالة في الوصول إلى تغيير سياسي بمعزل عن حراك أوسع ومجموعة من التكتيكات. حقوق الإنسان لغة سياسية لا يمكن فهمها إلا كجزء من مجموعة أدوات؛ هي مفتاح ربط يعمل فقط مع أنواع معينة من المفاصل المثبتة في مكانها الصحيح.
الحقوق والتضامن في الثورة العربية
كانت الأدوات الأخرى التي استخدمها الفلسطينيون وأنصارهم العرب خلال ثورة الأعوام 1936-1939 ضرورية لنجاحاتها، مهما كانت هذه النجاحات محدودة. فجاءت المطالبات الفلسطينية بالحقوق خلال فترة الانتداب البريطاني في لحظة اتسم سياقها بشكل واسع النطاق بمناهضة الاستعمار، وكانت هذه المطالبات جزءًا من حراك انتشر في جميع أنحاء المنطقة العربية تضمَّن تخصيص وظائف حكومية تهتم بالتضامن، وحملات التبرع لدعم المقاتلين الفلسطينيين وضحايا العنف البريطاني والصهيوني، والضغط السياسي في بريطانيا والولايات المتحدة، ونشاط وفاعليَّة النساء والطلاب، بما في ذلك تنظيم فعاليات "يوم فلسطين" في الجامعات. شعر البريطانيون عندها أن إمبراطوريتهم مهددة؛ كان ما أزعجهم بالفعل مزيجاً من هجمات الثوار، والإضرابات والمظاهرات، علاوة على التضامن الواسع نيابة عن العرب في فلسطين.
ورغم الرفض الفلسطيني للتعامل مع لجنة بيل في البداية، دافع العديد من القادة السياسيين والمتحدثين عن قضيتهم أمام اللجنة الملكية، قلقًا من إجراء تحقيق بريطاني آخر (Allen 2020: 71-101). ووفقًا للمعتاد، قدمت هذه اللجنة إعادة صياغة أخرى للشروط التي أنتجها الانتداب البريطاني، مقترحة حلاً غير عادل؛ فأعترف تقرير لجنة بيل بالموقف الذي لا يمكن الدفاع عنه لبريطانيا العظمى في فلسطين وأوصى بتقسيم الدولة بحيث يتم إعطاء القسم الأكبر والأكثر خصوبة للدولة اليهودية، وتضمنت الخطة أيضًا الترحيل الداخلي القسري لنحو ثلاثمئة ألف عربي (و1250 يهوديًا) لخلق أغلبية يهودية في الدولة اليهودية المقترحة.
استؤنفت الثورة الكبرى واستمرت حتى العام 1939 عندما تم سحقها بالقوة المسلحة من قبل البريطانيين. وشمل ذلك العديد من أشكال العنف التي يمكن اعتبارها اليوم انتهاكات لحقوق الإنسان، إن لم تكن جرائم حرب؛ بما في ذلك هدم المنازل، والاعتداء الجنسي على النساء الفلسطينيات، والإعدام دون مراعاة الأصول القانونية. لم تكن اللغة الليبرالية للحقوق كافية لثني البريطانيين عن عنفهم الاستعماري.
كانت قضية فلسطين أقوى في اللحظات التي كانت فيها منسجمة مع نضالات الشعوب الأخرى، وعندما تبلورت وأصبحت تدافع عن قيم وآمال وغضب الكثيرين.
بعد نكبة العام 1948، خلق التشتت والاضطراب السياسي للفلسطينيين ظروفًا طغت على سياسات الحقوق، وحلت الإغاثة الإنسانية محل الحل السياسي؛ فتم إنشاء وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) كهيئة غير سياسية، وتم تكليفها بتوفير بعض الضروريات المادية لعدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين. لكن، حتى في هذا السياق، أصر الفلسطينيون على حقوقهم السياسية، وقاموا بتسييس النزعة الإنسانية للأمم المتحدة. وكما وثقت عالمة الأنثروبولوجيا إيلانا فيلدمان (2012: 389)، "فهِم الفلسطينيون أن وضع اللاجئ وخدمات اللاجئين مرتبطة بالحقوق بقدر ارتباطها بالتعاطف".
وكان على ممثلي ومناصري التحرر الفلسطيني أن يناضلوا طويلًا ضد محاولة نزع الطابع السياسي عن الفلسطينيين ومطالبهم، وتحويل "مشكلة فلسطين" إلى مشكلة تأمين الاحتياجات المادية الأساسية للفلسطينيين لإبقائهم على قيد الحياة؛ فأوضحت الناشطة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ليلى خالد في مقابلة أجرتها في العام 1970:
كان التعامل معنا طوال الوقت على أننا لاجئون يحتاجون المساعدة الإنسانية فقط، وهذا غير عادل. لم يسمع أحد صرخاتنا ومعاناتنا. كان كل ما حصلنا عليه من العالم هو المزيد من الخيام والملابس القديمة. بعد العام 1967، اضطررنا إلى أن نشرح للعالم أن للفلسطينيين قضية (BBC 2001).
كافح ممثلو عدة دول شرق أوسطية في الأمم المتحدة تمييع وإخفاء الطابع الفلسطيني والسياسي عندما قررت الأمم المتحدة الإشارة إليه على أنه "الوضع في الشرق الأوسط"؛ فاستنكر ممثل سوريا لدى الأمم المتحدة جورج طعمة اختزال الجانب السياسي وتصنيفه كقضية إنسانية تسمى "مساعدة لاجئي فلسطين". أدى ذلك إلى تشكيل لجنة في العام 1970 لإعادة إدراج "قضية فلسطين" في أجندة الأمم المتحدة (Allen 2020: 324 n.24، Tomeh 1974: 28). في هذه السياقات الدولية، كانت المطالبة بالحقوق قضية سياسية.
الاعتراف بالفصل العنصري الصهيوني 
من المؤكد أن معنى وآليات سياسات حقوق الإنسان قد تغيرت بشكل ملحوظ عبر هذا التاريخ الطويل من النضال، واستمر الانخراط الفلسطيني مع تلك التعابير والأدوات المتغيرة على قدم وساق؛ ابتداء بالمطالبة بالحق في الاستقلال الوطني قبل وأثناء الانتداب البريطاني، وحتى المطالبات بالحق في التحرر من الفصل العنصري التي أصبحت ذات أهمية قصوى في السبعينيات من القرن الماضي.
عُرّفت جريمة الفصل العنصري في الاتفاقية الدولية لقمع ومعاقبة جريمة الفصل العنصري في العام 1973، وفي نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية للعام 1998، على أنها هيمنة وقمع منظَّم ومؤسَّسي من قبل مجموعة عرقية على أخرى باستخدام "أفعال غير إنسانية". ومن بينها: "الاعتقال التعسفي، والسجن غير القانوني لأعضاء جماعة عرقية معينة"؛ إضافة إلى تدابير "مصممة لتقسيم السكان على أسس عرقية من خلال إنشاء محميات وغيتوهات منفصلة لأعضاء مجموعة أو مجموعات عرقية؛" "والنقل القسري؛" "ومصادرة ملكية الأراضي؛" وإنكار "الحق في المغادرة والعودة إلى بلدهم، [و] الحق في الجنسية". وجميع هذه العناصر جزء لا يتجزأ من المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في فلسطين.
طبق دبلوماسيون من الأمم المتحدة، وقانونيون دوليون، وطلاب نشطاء مفهوم الفصل العنصري على إسرائيل بتأثيرات متفاوتة؛ في خريف العام 1975، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 3379، الذي أعلن الصهيونية كشكل من أشكال العنصرية. وعلى الرغم من عدم تعريف إسرائيل كدولة فصل عنصري، إلا أن القرار جعل هذه الربط صريحًا. واعتمد القرار رقم 3379 بشأن "القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري" معادلته للصهيونية بالعنصرية على قرارات سابقة، بما في ذلك قرار العام 1963: 1904 (XVIII)، الذي أكد على أن "أي عقيدة تمايز أو تفوق عرقي هي عقيدة خاطئة علميًا، وهي مدانة من الناحية الأخلاقية، وخطيرة وظالمة اجتماعيًا". كما ربط القرار رقم 3379 إسرائيل بـ"الأنظمة العنصرية في زيمبابوي وجنوب إفريقيا"، والتي كانت "مرتبطة ببعضها ارتباطًا عضويًا عبر سياساتها الهادفة إلى قمع كرامة الإنسان وسلامته". واعترفت نقاشات أخرى للأمم المتحدة في هذه الفترة أيضًا بـ "تواطؤ" إسرائيل، والصهيونية، ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، كما هو الحال في القرار رقم 3151 للعام 1973.
كان ممكناً تمرير القرار رقم 3379 المثير للجدل بسبب السياق السياسي بشكل رئيسي، وهو السياق الذي حصلت فيه دول غير أوروبية على وضع "ما بعد الاستعمار"، وملأت مقاعد الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبذلك، احتلت مشكلة العنصرية الرسمية العابرة للقوميات مركز الصدارة. شكّلت الجمعية العامة ملتقى لممثلي العالم الثالث للتحدث ضد الاستعمار والعنصرية. وعرّفت الأمم المتحدة التمييز العنصري واستهدفته في إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري للعام 1963. أعرب مؤلف القرار رقم 3379، الفلسطيني فايز صايغ، عن احتجاجه تجاه الأسس الاستعمارية والعنصرية لإسرائيل لفترة طويلة، لكن هذا القرار أصبح له الآن مكان ليتردد صداه فيه (Allen 2019).  وكما لاحظت الباحثة القانونية نورا عريقات (2019)، نجح الفلسطينيون في هذه الفترة في استخدام "القانون كأداة للمقاومة" و"نجحت منظمة التحرير الفلسطينية في تسجيل الوضع القانوني للفلسطينيين في الوثائق والمؤسسات القانونية الدولية (قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة 3236 و3237 في العام 1974)."
ويمكن اعتبار القرار رقم 3379 الذي بني على زخم اللحظة، بمثابة انتصار، ليس لأنه حقق الكثير في حد ذاته، بل لأنه كان بمثابة قطرة في الدلو السياسي؛ فيمكن استخدامه لتسمية طبيعة إسرائيل الحقيقية ومعاملتها للفلسطينيين في الوقت الذي أصبحت فيه كلمة "استعمار" تعتبر كلمة قذرة، ولم تعد مقنعة كوسيلة لـ "التبشير بالحضارة". وشكل ذلك تهديدًا للولايات المتحدة وإسرائيل بسبب هذا السياق الأوسع، ولذا كثفا بدورهما حروبهما الدعائية، وأعلنتا أنهما ديمقراطيتان مهدَّدتان من قبل العالم الثالث. ومع تغير التوجهات السياسية، نجحت الولايات المتحدة، التي تسعى إلى تحسين العلاقات مع إسرائيل، في الضغط لإلغاء القرار رقم 3379 في العام 1991. وهذا يوضح مدى أهمية عنصر السياق السياسي عند تقييم فعالية نظام حقوق الإنسان.
ورغم سحب القرار رقم 3379، إلا أن واقع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي أصبح أكثر رسوخًا. فأثبتت العديد من المنظمات الحقوقية والدولية مرارًا وتكرارًا أنه يجب تعريف إسرائيل والتعامل معها كدولة فصل عنصري، ومن ضمن هذه المؤسسات: مؤسسة الحق، ومركز بديل، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الميزان لحقوق الإنسان، ومؤسسة الضمير، والتحالف المدني لحقوق الفلسطينيين في القدس، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، وبتسيلم، وهيومن رايتس ووتش.
لقد توسعت سياسات حقوق الإنسان بشكل هائل، وجلبت عددًا متزايدًا من الناس إلى فلكها. خلال الثمانينيات والتسعينيات، انتشرت المنظمات والمؤسسات غير الحكومية التي تعمل على "مشكلة فلسطين"؛ فوثقت الانتهاكات الإسرائيلية، والتعذيب، والسجن بدون محاكمة، والعقاب الجماعي  الذي مورس ضد الفلسطينيين خلال الانتفاضتين الأولى والثانية. تخصصت بعض هذه المنظمات والمؤسسات في مجالات معينة من الحقوق (مثل حقوق الأطفال والنساء)، وأصبح نشطاؤها متحدثين رئيسيين للأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى تحقق في الأوضاع في فلسطين. وغدت المنظمات الحقوقية غير الحكومية، وجهات المساعدات الدولية التي تدعمها، محركًا اقتصاديًا لدعم جزء من الطبقة الوسطى في الأراضي الفلسطينية المحتلة. 
أقدم في كتابي "صعود وانهيار حقوق الإنسان" بحثًا حول بعض من هذا التاريخ الحديث، وأحلل العواقب الاجتماعية والسياسية لهذا الانفجار في نشاط حقوق الإنسان في فلسطين (Allen 2013). وإضافة إلى مجلدات البحث القانوني وتوثيق الانتهاكات التي جمعتها هذه المنظمات غير الحكومية، ومساهماتها في جهود المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية الأخرى مثل الأمم المتحدة، فقد لاحظت أحيانًا أن هذه الجهود تتخرك في دائرة مفرغة، ووجدتها تحاط بدوامة من الشكوك؛ فغالبًا ما كان المنظور قصير المدى، وطريقة العمل منفردة وتنافسية في بعض الأحيان، وهناك افتقار للتخطيط الاستراتيجي طويل الأمد بين أولئك الذين يكتبون عن حقوق الإنسان، كل هذا جعل منشوراتهم هي الهدف النهائي في حد ذاتها. لم يتم التعبير بوضوح عن كيفية تأثير هذه التقارير التي أنتجوها على السياسة، وما هي الخطة التي كان من المفترض أن تؤدي إلى التغيير على أرض الواقع.
عانى مشهد حقوق الإنسان في فلسطين من نفس النوع من الانعزال الذي لوحظ في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل عقود. في العام 1969، تحدثت أنجي بروكس الرئيسة الليبيرية للجمعية العامة للأمم المتحدة بجرأة عن هذه المشكلة في الأمم المتحدة: 
فشلنا في بعض الأحيان في إدراك أنه لا الخطابة ولا الاتفاقات بين الوفود، ولا حتى القرارات أو التوصيات كان لها تأثير كبير على كيفية سير الأمور في العالم. ساعد الشعور بالرضا عند اتخاذ قرار ما ... على إدامة أسطورة الإنجاز، بحيث يميل الكثير منا إلى الانتقال بسعادة من بند إلى آخر في جدول الأعمال دون التفكير بجدية في احتمال أن القرارات المعتمدة لن يتم تنفيذها. لقد افتقرنا ونفتقر في هذا الصدد إلى الإحساس بالواقع (مقتبس في Allen 2020: 172).
هناك عوامل متعددة أدت إلى إدامة وضع هذه الدائرة المفرغة؛ إحداها حقيقة أنه في ظل اقتصاد خانق تحت الاحتلال، فإن المنظمات والمؤسسات غير الحكومية توفر فرص عمل لبعض الفلسطينيين على الأقل. وخلف العوامل المادية، هناك أسباب سياسية - أو بالأحرى، غياب للأسباب السياسية؛ ففي ظل غياب قيادة وطنية متماسكة وموحدة وملهمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو بين الفلسطينيين في إسرائيل أو في الشتات، فإن الدفاع عن حقوق الإنسان قد حل محل السياسة. لكن، في غياب حركة سياسية أوسع تشارك في الدفاع عن حقوق الإنسان، فإن هذه الحقوق لا تكتسب سوى القليل من الزخم.
فلسطين 48
اتخذ النضال من أجل الحقوق بين المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل مسارًا مختلفًا نوعًا ما. فكأقلية من المواطنين، هم يعيشون في دولة كرست في القانون وبلورت في الخطاب السياسي حقيقة أن إسرائيل ليست دولة لجميع مواطنيها لأنها دولة يهودية. هؤلاء الفلسطينيون الذين بقوا في إسرائيل بعد قيام الدولة، وكانوا يشكلون خمسة عشر بالمئة من السكان، كانوا محكومين من قبل الجيش الإسرائيلي كطابور خامس، تحكمهم قوانين وُضعت لتسهيل استعمار أراضيهم (Robinson  2013). لقد كان نضالهم  متركزاً على الحقوق، وأيضًا للحفاظ على مساحة للحديث عن ظروفهم وتاريخهم، وللاحتجاج على تلك الظروف، والدفاع عن هويتهم الوطنية والسياسية.
وكما لاحظ الباحث القانوني الفلسطيني نمر سلطاني (2021)، احتجت الأقلية الفلسطينية على السياسات والممارسات التمييزية لعقود. واستخدموا أساليب متعددة؛ من شعر المقاومة إلى الأحزاب السياسية الرسمية؛ ناضلوا من أجل الحقوق المدنية والاعتراف بهويتهم الثقافية والسياسية (Rouhana & Sabbagh-Khoury 2017)، وكان هذا ضمن نظام قانوني صهيوني "يطرح، ويبرر، ويرسخ بشكل عام مكانة منفصلة وأدنى للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل"(Sultany2017: 191). وكان من ضمن الأصوات البارزة في هذه النضالات مركز عدالة القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، الذي عمل وما زال يعمل على توثيق ورفع القضايا في المحاكم ضد سياسات إسرائيل التمييزية، ودعم حقوق الفلسطينيين منذ تأسيسه في العام 1996. في نفس الفترة، تحول الخطاب السياسي الفلسطيني نحو دعوات لدولة لجميع المواطنين، والإصرار على الاعتراف بشروط "النكبة المستمرة"، لتسليط الضوء على استمرار إسرائيل والمستوطنين في انتزاع أراضي الفلسطينيين (Sabbagh-Khoury2021). وكجزء من هذا التحول، ازدهرت الجهود بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وإسرائيل للعمل معًا من أجل التحرّر الجماعي.
كشف النشطاء الفلسطينيون من داخل إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة والشتات، على نحو متزايد، عن ظروف القمع المشتركة التي يمرون بها كضحايا للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي في جميع أنحاء فلسطين التاريخية وخارجها. يؤكد موقع "POC Online Classroom" الذي نشر منهجًا للعدالة الفلسطينية فهمًا مشتركًا مفاده أن المزيد من المجموعات الناشطة تقوم بالتعبير عن: "أن النضال من أجل العدالة الفلسطينية مرتبط بالنضالات ضد الاستعمار الاستيطاني وعنف الدولة في جميع أنحاء العالم. وأن العسكرة، والمراقبة، والعنف ضد الفلسطينيين والمجتمعات الملونة في الولايات المتحدة مترابطة بشدة "(بدون تاريخ).
كان هذا الاهتمام بالتضامن العابر للقوميات، والذي تعرض للمد والجزر عبر الزمن، جزءًا من الجهود السياسية الفلسطينية على مدى قرن (Allen 2018)، وغدا واضحًا في تصاعد العنف في أيار 2021، حيث سعت إسرائيل إلى إخماد مقاومة عمليات إخلاء المستوطنين للفلسطينيين في حي الشيخ جراح في القدس. وكما غردت الباحثة، والشاعرة، والناشطة في مجال حقوق الإنسان رفيف زيادة في ذلك الوقت، "تُظهر الاحتجاجات في جميع أنحاء فلسطين التاريخية واحتجاجات اللاجئين في الخارج أنه رغم 73 عامًا من محاولة محو وتفتيت الشعب الفلسطيني - نحن موجودون ونقاوم وسنعود." أصبح النشاط الداعم لحقوق الإقامة في حي الشيخ جراح بمثابة بارقة أمل وبوتقة للنضال من أجل حقوق الفلسطينيين في جميع أنحاء إسرائيل، والأراضي الفلسطينية المحتلة، والشتات.
إسرائيل: دولة فصل عنصري 
في محاولة تحقيق تضامن أوسع وإضفاء الشرعية على النضال لتحرر الفلسطينيين، سعت مجموعة متزايدة من الأصوات إلى إعادة تأطير الخطاب حول "الصراع"؛ وكان تحليل الطرق التي تشبه بها إسرائيل نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا أمرًا محوريًا في هذه الجهود على مدى العقدين الماضيين. منذ العام 2005، ينظم الطلاب النشطاء في الجامعات في جميع أنحاء العالم فعاليات تعليمية خلال "أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي". وكجزء من حركة المقاطعة BDS، تم تنظيم هذه الفعاليات لزيادة الوعي حول كفاح التحرير الفلسطيني، وتسليط الضوء على أوجه التشابه بين جهود الفلسطينيين والحراك في جنوب إفريقيا لمناهضة الفصل العنصري.
إضافة إلى تصاعد الخطاب الذي يصف إسرائيل كدولة فصل عنصري، أثارت التطورات في المحكمة الجنائية الدولية، التي تؤكد السلطة القضائية للمحكمة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما يسمح للمدعي العام بالتحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي وقعت في فلسطين المحتلة، تفاؤلًا حذرًا لدى البعض بأن هذه المؤسسة يمكن أن تحاسب الأفراد الإسرائيليين على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في فلسطين.
خاتمة 
حاولت من خلال هذا المقال تقديم نوع من "التحليل التقاطعي"، كما يسميه ستيوارت هول. وهو ما يُعرَّف ببراعة على أنه "تحليل الميول المتقاربة والمتباينة التي تشكل مجمل علاقات القوة داخل مجال اجتماعي معين خلال فترة زمنية معينة"، ويدعم التحليل التقاطعي تحديد "التهديدات والفرص السياسية". (Gilbert 2019) ويمكننا من خلال التركيز على بضع لحظات رئيسية من التاريخ السياسي الفلسطيني والنظر في الظروف التي كانت موجودة في لحظات التضامن النسبي والزخم السياسي، تقييم كيف يمكن لنشاط حقوق الإنسان البناء على جهود أوسع والمساهمة فيها. في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي علت أصوات أولئك الذين يعرفون حقًا معنى العنصرية الاستعمارية في جميع أنحاء العالم الثالث دفاعًا عن حقوق الفلسطينيين. لكن تبدد هذا الدفاع إلى عوالم غير كافية من الخطابات في الأمم المتحدة. يجب أن تكون الأولوية في الوقت الحالي وبشكل ثابت الحفاظ على مساحات للتعليم، والنقد، والنقاش، والاعتراف بنضالاتنا المشتركة ضد الأعداء المشتركين. 
 

المصادر

Allen, Lori. 2020. A History of False Hope: Investigative Commissions in Palestine. Stanford: Stanford University Press.

—. 2019. Subaltern Critique and Palestinian History. In A Time for Critique. Didier Fassin and Bernard Harcourt (eds). New York: Columbia University Press, 153-73.

—. 2018. “What’s in a Link? Transnational Solidarities across Palestine and their

Intersectional Possibilities.” The South Atlantic Quarterly 117(1): 111-133.

—. 2013. The Rise and Fall of Human Rights: Cynicism and Politics in Occupied Palestine. Stanford: Stanford University Press.

BBC. 2001. “Transcripts: The Guerilla’s Story.” BBC, 1 January,

http://news.bbc.co.uk/2/hi/in_depth/uk/2000/uk_confidential/1090986.stm

Erakat, Noura. 2019. “International Law and the Question of Palestine: Imperial Exceptionalism, Third World Resistance & the Entanglement of Law and Politics,” in conversation with John Reynolds. TWAILR: Dialogues,

https://twailr.com/international-law-and-the-question-of-palestine-imperial-exceptionalism-third-world-resistance-the-entanglement-of-law-and-politics/

Feldman Ilana. 2012. “The Challenge of Categories: UNRWA and the Definition of a ‘Palestine Refugee.’” Journal of Refugee Studies 25(3): 387–406. https://doi.org/10.1093/jrs/fes004.

Gilbert, Jeremy. 2019. “This Conjuncture: For Stuart Hall.” New Formations 96-97: 5-37.

Ha’aretz. 2014. “Tutu: Israel’s Humiliation of Palestinians ‘Familiar to Black South Africans.’” Ha’aretz, 10 March, https://www.haaretz.com/israel-s-treatment-of-palestinians-like-apartheid-1.5331392.

Nafi, Basheer M. 1998. Arabism, Islamism and the Palestine Question, 1908–1941: A Political History. Ithaca, NY: Ithaca Press.

POC Online. N.d. Palestinian Justice Syllabus. http://www.poconlineclassroom.com/syllabi/palestinian-justice

Robinson, Shira. 2013. Citizen Strangers: Palestinians and the Birth of Israeli Liberal Settler State. Redwood City, CA: Stanford University Press.

Rouhana, Nadeem, & Sabbagh-Khoury, Areej. 2017. Memory and the Return of History in a Settler-Colonial Context: The Case of the Palestinians in Israel. In S. Huneidi & N. Rouhana, Israel and its Palestinian Citizens: Ethnic Privileges in the Jewish State. Cambridge: Cambridge University Press, 393-432. doi:10.1017/CBO9781107045316.014

Sabbagh-Khoury, Areej. 2021. “Tracing Settler Colonialism: A Genealogy of a Paradigm in the Sociology of Knowledge Production in Israel.” Politics & Society. March.

Sultany, Nimer. 2017. The Legal Structures of Subordination: The Palestinian Minority and Israeli Law. In S. Huneidi & N. Rouhana, Israel and its Palestinian Citizens: Ethnic Privileges in the Jewish State (pp. 191-237). Cambridge: Cambridge University Press.

—. 2021. “Peaceful Coexistence in Israel Hasn’t Been Shattered – It’s Always Been a Myth.” The Guardian, 19 May 2021,  https://www.theguardian.com/commentisfree/2021/may/19/peaceful-coexisten....

Tomeh, George. 1974. “When the UN Dropped the Palestinian Question.” Journal of Palestine Studies 4 (1):15-30.