You are here

Revision of الصهيونية from Thu, 09/30/2021 - 09:40

المؤلف/ة
حُدّث بتاريخ:
6 أيلول/ سبتمبر 2021
معلومات بيبليوغرافية

ترتبط "الصهيونية" اليوم بشكل أساسي بالحركة السياسية اليهودية التي استعمرت فلسطين. ولكن، استُخدم مصطلح "الصهيونية"، والاسم "صهيون"، والصفة "صهيوني/ة" تاريخيًا بطرق أكثر تنوعًا؛ فعلى سبيل المثال، كان المصطلح مستخدمًا في بريطانيا الفيكتورية للإشارة إلى أسلوب حياة مسيحي أكثر تقوى (أي لا يخضع لطريقة الحياة الهلنستية المنغمسة في اللذات)، واستُخدم المصطلح لاحقًا كاستعارة لمجتمع مثالي من قبل المستوطنين البيض الذين وصلوا إلى أمريكا الشمالية في القرن السابع عشر.

هذه كلها حكايات عن الصهيونية، ومع ذلك يجب تذكرها، لأن [الصهيونية] ليس مصطلحًا يجعل أيديولوجيا معينة مقبولة أو غير مقبولة، بل يُعبر عن نية وتوجه هذه الأيديولوجيا. ابتداء منذ منتصف القرن التاسع عشر، عندما تتم الإشارة إلى الصهيونية، يكون ذلك للحديث عن الحركة التي استعمرت فلسطين، وأسست دولة إسرائيل، وأصبحت الأيديولوجيا المهيمنة للدولة.

وهكذا، فإن الصهيونية التي نواجهها اليوم ترجع أصولها إلى العالمين البروتستانتي والإنجيلي على جانبي المحيط الأطلسي، فكان قادتهم في القرن السادس عشر قد روجوا لفكرة "عودة اليهود" إلى فلسطين كخطة إلهية من شأنها أن تعجل بالمجيء الثاني للمسيح، وقيامة الأموات، وتخيير اليهود بين المسيحية وبين شيِّهم في الجحيم. كان الدافع هو الرغبة في رؤية نهاية الزمان إضافة إلى معاداة اليهود؛ والرغبة في التخلص من اليهود في أوروبا وأمريكا الشمالية. يوجد دائمًا ارتباط بين معاداة السامية الغربية التي رأت اليهود كأغراب، وبين دعم نقل اليهود إلى فلسطين. وندرك الآن أن هذه الأفكار أثَّرت على المفكرين اليهود الأوائل للصهيونية السياسية التي ظهرت في أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر وأصبحت أيديولوجية إسرائيل المهيمنة.

كمشروع يهودي، كان ذلك في البداية رد فعل على معاداة السامية التي نمت في وسط وشرق أوروبا في منتصف القرن التاسع عشر، والأهم من ذلك، نبع [المشروع] من اعتقاد أقلية من اليهود في ذلك الوقت أن إعادة تعريف اليهودية على أنها قومية وليست ديناً ستكون حلًا "للمشكلة اليهودية". وبمجرد أن حوّلت هذه المجموعة الصغيرة من النشطاء اليهودية إلى قومية، أصبحت فلسطين بالنسبة لهم الوجهة، حيث حولوا الأرض المقدسة التي ظهرت في الكتاب المقدس إلى وطن قديم كان لا بد من تخليصه. كان اليهود المحبَطون المُدمجون، من أمثال ثيودور هرتزل الذين لم يقبلهم المجتمع غير اليهودي بمساواة، مفتونين أيضًا بهذه الرؤية لوطن يهودي جديد مبني على أرض الكتاب المقدس بمساعدة الإمبريالية الأوروبية، (هنا شكَّلت المفاهيم القديمة للصهيونية المسيحية وأنماط أكثر حداثة من معاداة السامية، "لوبي" لهذه الأفكار بين صانعي السياسة البريطانيين الذين سيلعبون فيما بعد دورًا مهمًا في جعل هذه الرؤية حقيقة واقعة في فلسطين).

ورغم أن مؤسس الحركة ثيودور هرتزل اعتبر أماكن مثل أوغندا وجهات محتملة عندما أدرك أنه لا يستطيع تحفيز الحكومات الأوروبية لدعم خطة جعل فلسطين وطناً لليهود (كما ذكر في المؤتمر الصهيوني الأول في بازل في سويسرا العام 1897)، إلا أنَّ العديد من الصهاينة الآخرين ذكروا فلسطين باعتبارها المكان الوحيد لتحقيق تطلعاتهم؛ فاعتبروا فلسطين موطن أجدادهم الذي أخذه الرومان بالقوة، وجادلوا بروح القومية الرومانسية بأن أمتهم ستزدهر هناك فقط. من الناحية البراغماتية، قبلوا المساعدة من قوة دولية راغبة وأقنعوا خُمس يهود العالم بأن الاستعمار سوف يسترد وطنهم المفقود.

كانت فلسطين حتى نهاية الحرب العالمية الأولى تحت الحكم العثماني؛ وهكذا تم الاستعمار بشكل تدريجي ومتخفٍّ وواجه معيقات كبيرة؛ فسرعان ما غادر كثير من الذين وصلوا قبل العام 1917 (عندما احتل البريطانيون فلسطين لأسباب استراتيجية، ودينية مسيحية، ومعادية للسامية)، وأصبح أولئك الذين بقوا المجموعة الأساسية التي ستنبثق منها القيادة الصهيونية المستقبلية في فلسطين، ولاحقًا في إسرائيل.

أدى تنفيذ المشروع الصهيوني إلى سلب متزايد بين عامي 1918 و1948، وبدأ التطهير العرقي للسكان الأصليين في فلسطين في العام 1948 عندما طردت القوات الصهيونية نصف السكان، وهدمت نصف القرى والبلدات. بالنسبة للفلسطينيين، كانت الصهيونية، وما تزال، أيديولوجيا تنكر وجودهم.

من الناحية النظرية، ما تزال الصهيونية ترمز إلى الرغبة في جلب جميع يهود العالم إلى إسرائيل، ويمنح قانون العودة الجنسية لأي يهودي/ة يصل إلى إسرائيل. ومع ذلك، في الممارسة العملية، لم يتم التعرف على الاتجاهات الدينية المختلفة (مثل الإصلاح اليهودي) على أنها ملزمة دينيًا، وبالمثل، يتعرض اليهود الأرثوذكس المتطرفون، الذين لا يؤمنون بأن اليهود يمكن أن يعودوا دون مشيئة الله، للتهميش والاغتراب. مع ذلك، اعتبر معظم اليهود منذ الحرب العالمية الثانية الصهيونية بوليصة تأمين؛ أو أيديولوجيا من شأنها أن توفر لهم مهربًا في أوقات الضيق. ولم يظهر إلا في السنوات الأخيرة دافع قوي مناهض للصهيونية في المجتمعات اليهودية التي أدركت أن هذه السياسة تتطلب دعمًا غير مشروط لإسرائيل.

في البداية، تعطي صفة "صهيوني" أي شخص الحق الكامل في أن يكون جزءًا من مشروع إسرائيل؛ وكونك صهيونيًا يعني أنك تَعتبر إسرائيل (التي ضمت بعد العام 1967 كل فلسطين التاريخية) وطنًا ودولة قومية لليهود. فرضت الصهيونية أن تكون رموز الدولة يهودية وأن تكون قوانينها تتبع الهلاخاه، كما ساوت المواطَنة بالهوية الدينية. ومع ذلك، فإن خُمس مواطني إسرائيل فلسطينيون ولذا لا يمكن أن يكونوا صهاينة أو يقبلوا الرواية الصهيونية. وسكان الضفة الغربية وقطاع غزة يعيشون في مناطق يعتقد بعض الصهاينة أنها جزء من إسرائيل، ونتيجة للرغبة الصهيونية في عدم منحهم الجنسية أو الاستقلال، تُرك مصيرهم دون حل. وبينما كان الناس في جميع أنحاء العالم يشاهدون القمع الوحشي لحركات المقاومة الفلسطينية، أصبحت "الصهيونية" مساوية لسياسات التدمير والإبادة التي تنتهجها إسرائيل.

لم تستطع الصهيونية كأيديولوجيا أن تنقذ إسرائيل من الحاجة إلى الاختيار بين الديمقراطية والتفوق العرقي. وعلى الرغم من أن النخب السياسية الغربية قبلت بخبث مبطن مزاعم إسرائيل بأنها ديمقراطية يهودية، إلا أن عامة الناس لم يفعلوا ذلك. وعندما أصبح من الواضح أن غالبية اليهود الإسرائيليين يفضلون دولة عرقية على دولة ديمقراطية، أصبحت شرعية إسرائيل موضع شك. وكانت إعادة تقييم الصهيونية على الصعيد الدولي تنطلق من القوة المتحدية للرواية الفلسطينية؛ فأثرت هذه الرواية على المعارضين الإسرائيليين اليهود الذين أصبحوا "ما بعد صهيونيين". ولكن مع مرور الوقت، حل مصطلح "معاد للصهيونية" محل "ما بعد الصهيونية"، حيث أدرك اليهود أن المصالحة تتطلب إعادة توزيع الموارد، والأراضي، والامتيازات.

كان رد المؤسسات الأكاديمية، والسياسية، والعسكرية الإسرائيلية على ذلك بالتحول إلى "صهيونية جديدة/ نيو صهيونية"؛ فبعد أن حاولت التوفيق بين القيم الديمقراطية والعرق اليهودي، أعلنت عن رغبتها في الحفاظ على دولة عرقية عنصرية في فلسطين التاريخية. على الرغم من هذا التطور، وعلى الرغم من قرار الأمم المتحدة الشهير للعام 1975، ما زالت النخب السياسية الغربية ترفض الاعتراف بأن الصهيونية عنصرية، بل علاوة على ذلك، اكتسبت الجهود المبذولة لربط معاداة الصهيونية بمعاداة السامية بعض الزخم. ولكن هذا الاتجاه آخذ في التغير، وينظر العديد من اليهود الآن إلى الصهيونية على أنها موقف سياسي غير مقبول ويشككون في معادلتها باليهودية.

أخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن الباحثين/ات الفلسطينيين/ات، وخاصة أولئك الذين عملوا بشكل وثيق مع مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت في الستينيات، كانوا أول من تصور الصهيونية على أنها حركة استعمارية استيطانية. وتختلف الحركات الاستعمارية الاستيطانية عن الحركات الاستعمارية الكلاسيكية؛ حيث ليس لها بلد أم ولا يعود المستعمرون إلى أوطانهم الأصلية بمجرد انهيار الإمبراطورية، كما أن الاستعمار الاستيطاني لا يهتم باستغلال السكان الأصليين، كما فعل الاستعمار الكلاسيكي، بل يرغب بإزالة السكان الأصليين، والاستيلاء على تاريخهم ومحوه من الذاكرة التاريخية. طُبّق ذلك على الأمريكيين الأصليين في أمريكا الشمالية، والسكان الأصليين في أستراليا والعديد غيرهم. ولتنفيذ هذه الفكرة، ينزع المستوطنون الصفة الإنسانية عن السكان المحليين ويرتكبون جرائم مثل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.

في السنوات الأخيرة، تم تبني هذا النموذج من قبل العديد من الباحثين/ات في العالم، بما في ذلك في الغرب. وأصبح شائعاً الآن، أكثر من أي وقت مضى، الإشارة إلى الصهيونية على أنها استعمار استيطاني، وإلى المقاومة الفلسطينية على أنها مناهضة للاستعمار. وبالطبع، تبذل إسرائيل كل ما في وسعها للمساواة بين هذا التأطير ومعاداة السامية، لكن دون جدوى. وسيُظهر الوقت ما إذا كان هذا التطور المهم في إنتاج المعرفة عن فلسطين سيكون له تأثير على الأرض.