This content is currently only available in Arabic, press here to view Arabic Language content
اختُتِمت أعمال مؤتمر معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الإنسان - جامعة بيرزيت، اليوم السبت الثاني من تشرين أول 2021، في دورته السابعة والعشرين، تحت عنوان "الاقتصاد السياسي للهيمنة والتحرر في فلسطين"، بترتيب هجين في حرم جامعة بيرزيت وعبر الفضاء الإلكتروني، وذلك بمشاركة العديد من الأكاديميين والمفكرين من مختلف أنحاء العالم.
استهل اليوم الثاني للمؤتمر بالجلسة الثالثة بعنوان "سياسة الاقتصاد في فلسطين"، التي ترأسها الدكتور علاء العزة رئيس دائرة العلوم الاجتماعية والسلوكية في جامعة بيرزيت، وقدم الورقة الأولى الأستاذ جميل حرب بعنوان "النظم الغذائية الفلسطينية ودورها في الصمود والتنمية الحقيقية"، وأوضح من خلالها أن اعتبار النظام الغذائي التقليدي (البعلي)، على أنه الأساس في الحفاظ على الأرض الفلسطينية، وتعزيز صمود الفلسطينيين ضمن واقع كونهم يرزحون تحت الاحتلال. هذه النظرة صائبة، من مقاربة أخرى تقوم على أن النظام الغذائي الحديث أكثر تأثيراً، من الزاوية الإيجابية، في تدعيم الصمود الفلسطيني والمساهمة في التنمية الحقيقية. ويضاف إلى ذلك أن كفاءة استعمال الموارد، وبخاصة المياه. نظراً لتبني عدد كبير من المزارع نظماً تكنولوجية موفرة، وإن كانت هذه النظم مكلفة مالياً، فإن تحفيز الأنماط الحديثة في النظم الغذائية الفلسطينية فرصة للمساهمة، بشكل فعال، في تعزيز صمودنا. وأوضح المتحدث أن بالإمكان استحداث ما يصل إلى مئة ألف فرصة عمل في قطاع الزراعة في حال تبني السياسات الضرورية.
أما الورقة الثانية "تقييم أثر الأمْوَلَة على التنمية الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية"، فقد قدمتها بيان عرقاوي وقد كتبتها بالاشتراك مع منيس الفار وهما عضوتا الهيئة الأكاديمية في دائرة العلوم المالية والمصرفية في جامعة بيرزيت، تناولت فيها موضوع التمويل المصرفي من حيث قدرته على إحداث تغييرات تنموية إن تم توجيهه على نحو يعالج بعض التحديات الوطنية في ظل الاحتلال. وقد عززت السياسات النيوليبرالية للحكومة الفلسطينية ولسلطة النقد الفلسطينية دور المصارف في الاقتصاد، وأدت إلى زيادة الائتمان المحلي. إلا أن هذا التمويل المصرفي لم يتقاطع مع سياسات اقتصادية حكومية ساعية إلى التقليل من آثار الهيمنة الاقتصادية الإسرائيلية على الاقتصاد المحلي.
أما الورقة الثالثة كانت حول "السياسات الإسرائيلية للسيطرة الكاملة: قطاع المياه نموجا"، قدمها الدكتور عبد الرحمن التميمي مدير عام مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين، وتناول في عرضه موضوع المياه، حيث تعتبر فترة الاحتلال الإسرائيلي نموذجاً حياً للهيمنة الاستعمارية الاستيطانية، حيث إن النموذج الكلاسيكي للاستعمار لم يكن كافياً للسيطرة على المياه الفلسطينية. ولذلك، انتقلت هذه السيطرة إلى الهيمنة الكاملة والإلحاق بالسياسات الاستعمارية الاستيطانية بتواطؤ من الرؤيا النيوليبرالية، من خلال تحليل سياسات التمويل (الدول المانحة والبنك الدولي) لقطاع المياه والذي يقود إلى إلغاء مقدرات الشعوب، وإلحاقها بمشروعها الاستيطاني.
وانتقالا إلى الجلسة الرابعة بعنوان "الاقتصاد السياسي للثورة المضادة" والتي ترأسها الدكتور وسيم أبو فاشة عضو الهيئة الأكاديمية في دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت، وفي الورقة الأولى بعنوان: "القضية الفلسطينية والشارع العربي" التي قدمتها نصاف براهمي الباحثة التونسية في منتدى البدائل العربي للدراسات، والتي تناولت فيها شقين رئيسين، الأول غياب القضية على المستوى الرسمي للأنظمة العربية في ظل موجات التطبيع بعد 2011، فيم يهتم الجزء الثاني بالحضور القوي للقضية الفلسطينية على مستوى التحركات الشعبية والاعلام البديل في المنطقة العربية.
والورقة الثانية قدّمها عبد الجواد حمايل وهو طالب دكتوراه في العلوم الاجتماعية في جامعة بيرزيت، بعنوان "هبّة بلا تنظيم: الفعل المقاوم كحدث عارض" ووضّح فيها بيان العلاقة بين شكل التكتلات الاجتماعية والسياسية عقب أفول الانتفاضة الثانية -انتفاضة الأقصى- ودور علاقات الإنتاج المستجدة في تسريع تحول الفعل المقاوم من شكل منظم يرتبط بالتنظيمات السياسية المختلفة إلى شكل فردي، يتخذ بُعداً اجتماعياً. وتناول ثلاثة عناصر للتحليل: الأول يرتبط بشكل وطبيعة الاقتصاد السياسي في فلسطين عقب الانتفاضة الثانية، وبالأخص توغل وتوسع البيروقراطية الفلسطينية بما تعنيه من علاقة تتخذ شكلاً منفعياً اقتصادياً، وبين النخب الحاكمة ورؤيتها الاجتماعية والسياسية وتسليعها للعجز السياسي، أي إنتاج العجز كسلعة، خاصة بالعلاقة مع الممول والمستعمِر. ثانياً عالجت المداخلة العلاقة الاقتصادية المرتبطة بتضخم أشكال وأنماط الاستهلاك وتنوعها الطبقي. أما العنصر الثالث من التحليل، فتناول ديناميكيات الثقة كمفهوم اجتماعي يلعب دوراً مهماً في إمكانية نشأة الكتلة السياسية المناهضة للاستعمار.
في الورقة الثالثة بعنوان: "ثورة في الثورة: المثقفون الغائبون" قدمها الدكتور روجر هيكوك أستاذ التاريخ المعاصر الذي حرمته السلطات الإسرائيلية من البقاء في فلسطين حيث ناقش أسباب الركود منذ الانتفاضة الثانية، وتراجع دور الجامعات كمؤسسات، وتراجع دور طلابها وأساتذتها ببطء. فإن سعي الشعب الفلسطيني إلى التحرير لم يتوقف قط، أو حتى لم يتضاءل باستثناء فترات قصيرة؛ فاستمرت الأعمال الثورية المتعمدة على الجبهة الانتخابية وفي الشوارع حتى العام 2021. ما الذي تغيّر في التركيبة الاجتماعية؟ وما المطلوب لإعادة الأكاديميين كمجموعة إلى الدائرة الثورية؟ يبدون ساخطين، ومسرَّحين، ومشلولين فعلياً بسبب التركيز على اللغز النيوليبرالي العالمي، الذي اجتاح فلسطين، والمعضلة المحلية التي يُعبر عنها مصطلح "أوسلو". وجادل أن الوقت قد حان لتغيير العالم بدلاً من التفكير فيه، وبالتالي تحرير أنفسهم لاستئناف نضالهم الجماعي، وإلى حد ما، دورهم القيادي.
أما الجلسة الخامسة والختامية بعنوان: "القانون كأداة استعمارية" ترأسها الأستاذ جميل سالم عضو الهيئة الأكاديمية في معهد الحقوق في جامعة بيرزيت، ففي الورقة الأولى بعنوان: "الاقتصاد السياسي لإصدار وإلغاء التشريعات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة" قدماها كل من: الأستاذة ريم البطمة مديرة معد الحقوق في جامعة بيرزيت، والأستاذ جميل سالم، تناولا فيها دورالنخبة القانونية والسياسية الفلسطينية في القانون والهياكل القانونية في تغيير الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي للفلسطينيين. والذي أصبح بناء عالم القانون موقعاً للصراع السياسي بين فاعلين مختلفين وخطابات مختلفة تستنجد بمفاهيم حقوق الإنسان وسيادة القانون أو تستقوي بمفاهيم النظام العام والأمن والمصلحة العامة. جزء كبير من هذا الصراع هو اشتباك ومواجهة بين تطلعات التحرر من جهة، وتعزيز أنماط اقتصادية وسياسية مهيمنة من جهة أخرى. هذا، ويستثمر المجتمع الدولي، بشكل كبير، في المجال القانوني الفلسطيني، إذ ارتبطت بعملية بناء الدولة مجموعة كاملة من شروط المانحين الدوليين مع حزم إصلاحات تحت مسمى سيادة القانون والأمن. تحاول هذه المداخلة تتبع التشكل السياسي والاقتصادي للقانون الفلسطيني من خلال قراءة في التشريعات المختلفة.
الورقة الثانية كانت بعنوان: "الاستعمار متجسدا في زجاجة نبيذ: قضية كاتنبرغ"، قدماها كل من الدكتورة ريم بهدي عميدة كلية الحقوق في جامعة وندسور في كندا، ديفيد كاتنبرغ مدرس علوم كندي وصحفي إذاعي ومدافع عن حقوق الإنسان، تناولا فيها قضية ديفيد كاتنبرغ في المحكمة الفيدرالية الكندية، حيث أيّدت شكواه المُقدمة منذ خمسة سنوات بشأن ملصق "منتج إسرائيلي" على النبيذ المصنع في المستوطنات الإسرائيلية، لم يكسب القضية بشكل نهائي بعد. فما ينتج في المستعمرات لا يمكن اعتباره منتجاً في إسرائيل، علما بأن السلطات الكندية المختصة أجازت ذلك على الرغم من السياسة الكندية المعلنة بعدم شرعية الاستيطان.
تظهر هذه القضية كيف يتم تمويه الفعل الاستعماري تحت غطاء اتفاقات أوسلو. كما تظهر أن سياسة الحكومة الكندية (مثل حكومات أخرى) ليست صادقة في وقوفها مع حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ولا حتى في موقفها من عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي. تحوي زجاجة النبيذ على ما يستخرج من عنب مزروع في أرض فلسطين، ويباع في كندا التي تعلن التزامها بالقانون الدولي، ولكنها تصر على الإعلان أنه أنتج في إسرائيل.
الورقة الثالثة والنهائية كانت بعنوان: "المحكمة الجنائية الدولية: نظرة دول العالم الثالث للبناء النيوكولونيالي للمحكمة والميثاق" قدمتها الدكتورة هالة الشعيبي عضو الهيئة الأكاديمية في جامعة بيرزيت، حول المحكمة الجنائية الدولية التي يعتبرها الكثير من النشطاء والسياسيين والقانونيين نافذة لمشاريعهم التحررية وطريقهم للوصول إلى العدالة الجنائية. ولكن بالنظر إلى ميثاق المحكمة المنشئ تثار أسئلة عدة، من ضمنها: ما طبيعة الأعمال المُجرمة في الميثاق؟ وما هي المفاهيم البنيوية التي تقوم عليها المحكمة في عملها بالأخص في تفاعلاتها مع أجهزة الأمم المتحدة ونظرتها للأوضاع السياسية في الدول قيد النظر؟ الجرائم في الميثاق عديدة، وقد تبدو للوهلة الأولى شاملة، ولكن عند تحليل هذه الجرائم، نجد نقصاً في جرائم كانت تاريخياً وما زالت تُرتكب في ظل المنظومة النيوكولونيالية؛ مثل استغلال الموارد الطبيعية، والعقاب الجماعي، والعقوبات الاقتصادية. وبالنظر إلى حيثيات إنشاء المحكمة، واختيار الجرائم، وتاريخ صياغة الميثاق، والمفاوضات آنذاك، نجد مفاهيم بنيوية في الميثاق مثل علاقة المحكمة مع مجلس الأمن، ومفهوم "مصلحة العدالة" التي بحاجة إلى نقدها وفهم إلى ماذا تقود.
واختتمت أعمال المؤتمر بكلمة ختامية وملاحظات من قبل الدكتور مضر قسيس مدير معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الإنسان، والدكتور جلبير الأشقر وهو أستاذ في دراسات التنمية والعلاقات الدولية في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن. ركّز الدكتور قسيس في كلمته الختامية على مركزية عملية النقد في مقاربة الاقتصاد السياسي، ومعالجته في فهم السياق التاريخي – الزماني والمكاني. وأشار إلى أن التاريخ لم يبدأ من اتفاقية أوسلو. واستكمل كلمته ببعض الملاحظات التي تنتهي بتساؤلات تشير إلى الحاجة للمزيد من البحث.
وأنهى الدكتور أشقر في الختام بضرورة العودة إلى مركزية تحرير الإنسان، فالمشروع التحرري الفلسطيني لا يقتصر على السياسة فقط، بل بكل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وعند الحديث عن الاقتصاد السياسي فهو موضوع يندرج تحته الكثير من القضايا والأمور التي بحاجة للدراسة والبحث، ولربما بحاجة لبناء استراتيجية لتوحيد قوى النضال الفلسطيني التي تهدف لتحرير الإنسان والتي من شأنها تحرير الأرض بالنهاية. وذكر بضرورة التمييز بين العنف الذي يشكل امتدادا للسياسة التي تشكل تعبيرا عن المصالح الإسرائيلية في الهيمنة، بين المقاومة التي تشكل تعبيرا عن المصالح في التحرر.