ملخص الدراسة
يرتبط الإعلام الحكومي بالأنظمة السياسية غير الديمقراطية، تمّوله الحكومات وتتحكم به، فيصبح منبرا لها وللأحزاب الحاكمة، فيما يغيب عن هذا النوع من الإعلام عادة صوت المعارضين السياسيين، وإن سُمع فإنه يكون بالقدر الذي لا يؤثر على صورة الأحزاب الحاكمة ومصالحها.
تمتلك السلطة الوطنية الفلسطينية إعلاما تنطبق عليه صفات الإعلام الحكومي، فهذا الإعلام – صوت فلسطين وتلفزيون فلسطين ووكالة الأنباء الفلسطينية والهيئة العامة للاستعلامات- مرتبط بالسلطة من حيث التمويل وخاضع لرقابتها، ما يؤثر بشكل كبير على مساحة حرية التعبير فيه.
تطرح هذه الدراسة فرضية تقول إن الإعلام الحكومي الفلسطيني ينطق باسم الحكومة التي يشكلها الحزب ذو الأغلبية في المجلس التشريعي، وبالتالي يكون صوت المعارضة السياسية مسموعا إلى الحد الذي لا يعارض مواقف الحكومة والحزب الحاكم. وبناء على ذلك، يُفترض أن ينطق الإعلام الحكومي باسم حماس عندما شكلت الحكومة منذ أن أصبحت صاحبة الأغلبية في المجلس التشريعي إثر انتخابات كانون ثان 2006، تماما مثلما كان الحال عندما كانت الحكومة مُشكلة من حركة فتح صاحبة الأغلبية في المجلس التشريعي منذ 1996 وحتى كانون ثان 2006.
بعد تحليل مضمون ثلاث وستين ساعة مسجلة للبرامج الإخبارية ونشرات الأخبار في صوت فلسطين للفترة الممتدة بين كانون أول 2005 وكانون أول 2006 بالاعتماد على بعض معايير مهنة الإعلام التي تضمن حرية التعبير، توصلت الدراسة إلى أنه عندما تتغير تركيبة النظام السياسي وتتبدّل مواقع الأحزاب فيه، فتصبح المعارضة هي صاحبة الأغلبية في الحكومة والمجلس التشريعي، والحزب الذي كان يحكم هو المعارضة، فإن الإعلام الحكومي ينتقل أيضًا إلى فلك المعارضة، ويصبح رقيبا على الحزب الذي أصبح حاكما، ويتيح الحرية لممارسة النقد والمحاسبة عليه، وبالتالي ينقطع الارتباط التقليدي بين الإعلام الحكومي والحزب الذي يشكل الحكومة، لكن المحاسبة والنقد تكونان من أجل مساعدة المعارضة (الحزب الحاكم سابقا) على استرداد عافيتها.
ظل صوت فلسطين، وهو أحد وسائل الإعلام الحكومي الفلسطيني، طوال الفترة الممتدة ما بين 1994 وبداية 2006، ناطقا باسم الرئاسة والحكومة اللتين كانت تتربّع على عرشيهما حركة فتح منذ فوزها بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي عام 1996، وهي الفترة التي كانت تنتقل فيها تبعية الإعلام الحكومي للرئاسة تارة ولوزارة الإعلام تارة أخرى، ومع ذلك، كانت المعارضة السياسية تتمتع ببعض الحرية التي أتاحت لها المجال لإسماع صوتها بين الحين والآخر.
لكن، بعد الانتخابات التشريعية الثانية التي جرت في كانون ثان عام 2006، واقتسام السلطة (الرئاسة والحكومة والمجلس التشريعي) بين حزبين كبيرين (فتح وحماس) وأحزاب أخرى صغيرة، وتبادل الأدوار بين حكومة ومعارضة، لم يعد الإعلام الحكومي ناطقا باسم الحكومة، بل باسم المعارضة (حسب التمثيل في المجلس التشريعي)، واتسعت مساحة التعبير المتاحة لمعارضة اليوم، بعدما كانت ضيقة على معارضة الأمس، الأمر الذي أظهر وجود خللٍ في المعايير المهنية التي تضمن حرية التعبير في أي مادة إعلامية.
كما توصلت الدراسة بعد تحليل المقابلات المعمّقة التي أُجريت مع عدد من العاملين في صوت فلسطين، والمراقبين للإعلام الحكومي وممثلِين للحزبَيْن اللذيْن تغيرت مواقعهما في الحكم والمعارضة (فتح وحماس)، أن هناك عدة أسباب تقف وراء الخلل في المعايير المهنية التي تضمن حرية التعبير، ومن هذه الأسباب ما يتعلق بالأفراد العاملين في الإعلام الحكومي كافتقاد معظمهم الخبرة الإعلامية، والانتماء الحزبي، ومنها أسباب ترتبط بالمؤسسات الإعلامية نفسها كافتقاد الرؤية الواضحة، والعشوائية في اتخاذ القرارات، والرقابة الذاتية، وضعف التدريب، كما توجد عوامل سياسية تلعب دورا على الصعيدين الفلسطيني والاسرائيلي وتعيق حرية التعبير كغياب ثقافة النقد وحرية التعبير عن السلطة والأحزاب الفلسطينية، والانفلات الأمني، وغياب الحق في الوصول إلى المعلومات وتبعية الإعلام الحكومي للرئاسة أو الحكومة، والفساد المالي والإداري، والاتهامات الإسرائيلية المتواصلة للإعلام الفلسطيني بالتحريض، وتحكم إسرائيل بالموارد المالية، والتضييق على العاملين في صوت فلسطين.
وبالرغم من أن القوانين المعمول بها في فلسطين تكفل حرية التعبير، إلا أنها تحتوي على عبارات فضفاضة تتيح المجال لتفسيرها على نحو ينتهك تلك الحرية، بالإضافة إلى وجود نصوص أخرى تُوسع نفوذ السلطة التنفيذية على حساب حرية التعبير.