يُدار "الأمن" "والتهديدات" "والجريمة" في عالم اليوم على أنه ضرورة لتسيير الدولة الحديثة، وتُسَخر مجموعةٌ من تقنيات وتكنولوجيا السيطرة وتُطور باستمرار من أجل هذا الغرض. فبينما كان الأمن والسيطرة حكراً على الدولة أصبحت الآن بمتناول أطرافٍ متعددةٍ، بما فيها منظمات وجماعات غير حكومية، وشركات خاصة وصناعات التكنولوجيا. ورغم ذلك يبقى السجن تكتيكا مركزيا لضبط وإدارة جماعاتٍ معينةٍ باعتبارها خطرة أو معادية أو زائدة عن الوجود. وبالفعل، يلمح نيلسون مانديلا عن ذلك الواقع في سيرته الذاتية، فيقول إن "السجن نقطة ثابتة في عالمٍ متحرك" (٢٠٠٨، ٢٧٥). يشكل السجن سمة مركزية في حيوات الملايين حول العالم، وما زال العديدون/العديدات يعانون من الذكريات والصدمات المتعلقة باعتقالاتهم/ن و/أو اعتقالات أفراد عائلاتهم/ن و/أو الاعتقالات في مجتمعاتهم/ن.
لطالما رافق التعذيب والعنف خارج إطار القانون الممارسات "القانونية" وعززها ضمن المشروع الاعتقالي، ولطالما تبادلت الدول التكنولوجيا والمعرفة الاعتقالية والضبط والاستغلال عبر الحدود، حتى قبل ظهور ما يعرف بـ"الحرب على الإرهاب". وصممت أنماط العنف في التحقيق، والتي تسمى مجازاً بالضغط النفسي المعتدل وأساليب الاستجواب المعزز، لإضفاء طابع قانوني للعنف واستدامته، وإضفاء الشرعية عليه. لقد كثفت تداعيات الحرب على الإرهاب من سطوة الواقع الاعتقالي حول العالم، مما سمح للأنظمة السجنيّة ابتكار وسائل دائمة التجدد لتعزيز خضوع المعتقلين وسلبهم/ن حقوقهم/ن الأساسية.
واجهت الجماعات الخاضعة للاعتقال الإجراءات العقابية التي تمارسها الأنظمة الحاكمة بوسائل شتى، فخاض الأسرى أساليب مقاومة مختلفة مثل خوض الإضرابات عن الطعام، وتشكيل التنظيمات السرية، وإيجاد قنوات تواصل خارج أسوار السجن، وبناء حركات تضامن ثورية، والخوض في التعليم التحرري. وتغني الانتاجات الفنية والأدبية للأسرى مداركنا حول وقائع السجن والاعتقال. وكما تنوه أفري جوردون، تشكل هذه المعرفة منهجية راديكالية عن الاعتقال تكشف لنا ماهية العيش فيما يسمى مساحات الموت، والانتزاع والحرمان من الحقوق (٢٠٠٨، ٦٥٤).
يستقبل المؤتمر مساهمات في تحليل الواقع المادي للسجون وحيثيات المكان والزمان للتجربة الاعتقالية. وتعرض لاستخدام الحدود والجدران والحواجز باستمرار لإدارة الشعوب وتقييدها في مساحات محددة، ولمساهمة تكنولوجيا المراقبة في تتبع حركة الشعوب للوقاية من التهديدات التي قد تمثلها على الأنظمة المهيمنة، وهذا ما يوسع مداركنا تجاه مفهوم الضبط الاعتقالي وما يمكن أن ينتج عنه وطرق مواجهته. لقد حصرت الحرب المعاصرة، بشكلها التقليدي والعشوائي، الشعوب في مساحات محددة وداخل المراكز الاعتقالية، كما وحدّت حركة الشعوب بشكل كبير، وكثفت تقنيات ومنطق المراقبة. وبات المنطق الاعتقالي لا يخدم فقط الاعتقال ومعاقبة الأشخاص الخطيرين، بل أيضاً يستخدم لهندسة السكان اجتماعياً، وسحق أي معارضة. وبذلك لا يشمل المفهوم الاعتقالي فقط الأسرى والسجناء، بل أيضاً ضبط المجتمعات.