لا يزال سائداً الاعتقاد أن التعليم هو "إيصال" أو "إعطاء" معلومات أو معارف؛ وأن التعلّم هو "اكتساب" تلك المعارف؛ وأن التقييم هو، بالتالي، فحص مدى "اكتساب" المتعلم لتلك المعارف. تشكل هذه النظرة انعكاساً، وامتداداً لتاريخنا الاجتماعي والسياسي، ولكيفية تعلّم أسلافنا، ولآرائهم حول التعلّم والتعليم. ويعاد إنتاج هذه النظرة مع تحولات تطال جوانب عديدة، ولكنها قلما تمس مكونها المرتبط بالهيمنة، حيث تتشابك هيمنة السلطة المتجسدة في "رجال السلطة"، و"رجال المعرفة". فتبدو الآراء المنتشرة اليوم غير مختلفة كثيراً عن تلك السائدة قبل ردح من الزمن.

يشكل هذا الكتاب محاولة لفهم كيفية تشكل خطاب التعلّم والتعليم في فلسطين، وتأثره بالظرف الاستعماري في تجلياته المختلفة. وهو انعكاس لتفاعل المؤلف خلال عمله التربوي مع الطلبة والمعلمين. أما اختيار الرياضيات موضوعاً للاستكشاف، فهو بسبب "المكانة" السائدة (في الوعي الدارج) للرياضيات بأنها "موضوعية" و"محايدة"، أو أنها "ملكة العلوم"، وأن من يدرسوها أو يبحثون فيها "أذكياء". يخطو هذا الكتاب خطوةً نحو الكشف عن الارتباطات الاجتماعية والثقافية لهذه النظرة، وعن السياق الاجتماعي والسياسي لتشكلها التاريخي لدى الفلسطينيين في أكناف "أنظمة حكم" متعددة، لا يزال أثرها يظهر في آرائنا حول التعلّم والتعليم والتقييم. ويوثق الكتاب تجارب فلسطينية قاومت وتمردت على مثل تلك الآراء الدراجة داعيا إلى التأمل العميق في هذه الظاهرة وما يشبهها في خضم السعي نحو التحرر والعدالة الاجتماعية.