نظمت مبادرة كرامة في جامعة بيرزيت حوارية بعنوان مستقبل التراث الثوري بعد "حقبة الفظاعة"، مع الكاتب السوري ياسين الحاج صالح، وذلك مساء يوم السبت ١٢ آذار ٢٠٢٢ عبر الفضاء الرقمي. افتتح الحوارية مدير مبادرة كرامة د. مضر قسيس، مُشيرا إلى أن هذه الحوارية تأتي في زمن تكثر فيه الحروب، والموت، والقمع، وتأخذ فيه الهيمنة أنماطا ومستويات غير مسبوقة. وتشكل هذه الوقائع مساسا بظروف ومقومات الوجود الإنساني، وتنتهك الكرامة الإنسانية. وأضاف أن مكافحة الشعور بعدم القدرة على إحداث التغيير، وفقدان الأمل والإصرار على عدم الاستسلام للقهر تحتاج إلى استعادة وإنتاج واستحضار نماذج تجعل الأمل مدعما برؤية واضحة تشكل أساساً لمقاومة الخراب والقمع والذل. إن التفكير في الخروج من هذه الأزمة هو الطريق نحو استرداد الكرامة الإنسانية التي سُلبت في بقاع كثيرة من العالم وخاصة العالم العربي.
في حديثه عن حقبة الفظاعة، أشار ياسين الحاج صالح إلى كتابه الأخير الفظيع وتمثيله الذي عالج فيه تداعيات ما يجري في السجون وخارجها من فظاعات وأهوال، وما رافق ذلك من إذلال وعجز وامتهان للكرامة، وتطرق إلى طرق معالجة هذه الفظاعات في آثارها على المجتمع والأفراد. كما تطرق في مداخلته إلى مجموعة من القضايا المرتبطة بالتحولات الجوهرية التي شهدتها المنطقة العربية جراء الثورات التي اندلعت منذ عقد ونيف، وما آلت إليه، وما جرى لها من تحوير؛ لتصبح طائفية وتصب في مصالح أطراف دولية متنازعة، وما رافقها من فظاعات أصبح الحديث معها عن المستقبل السياسي والتفكير في الحيز العام والمشاركة فيه حكراً واستثناءً لفئة مهيمنة من القوى. وأدى ذلك إلى خلق حالة من اللامبالاة في نظرة الناس للأمور السياسية، وهذا ما يمكن اعتباره أحد تمثُلات "الفظيع" في الواقع العربي الآني.
في القسم الثاني من الحوارية دار حوار مع المشاركين حول آفاق الفعل الثوري والتحرري المناهض والمقاوم للنظام الحالي، وسياسات التضامن التي يمكن لها أن تعيد الاعتبار والألق للحركات الثورية على الصعيد الأممي في محاولة لمقاومة كافة أشكال الاستبداد والاستغلال والاستعمار.
جمعت الحوارية حضورا عربيا مهتما بالعدالة والتحرر والكرامة والأمل والمقاومة والأسر، وفرض السجن نفسه بقوة في النقاش باعتباره موضوع وحقيقة، وتجربة مريرة، واشترك فيها الفلسطينيون والسوريون. وعقب ياسين نهاية اللقاء، معقباً على مداخلة لإحدى المشاركات، "نحنا ما بتجمعنا قضية العدالة والتحرر فقط، نحنا زملاء سجن، وبالتعبير السوري "خريجين حبوس"!"
يشار إلى أن "كرامة" هي مبادرة بحثية في جامعة بيرزيت تهدف إلى تعزيز إنتاج المعرفة حول الكرامة الإنسانية وما يسهم في صونها، مستخدمة نهج فلسفة الممارسة، وتعالج ما يرتبط بالأحداث والقضايا التي تحدث حولنا من خلال عدسة مفهوم الكرامة.