عقدت مبادرة كرامة حوارية بعنوان "كيف نفهم الذكاء الاصطناعي"، مع مصطفى جرار، مدير برنامج الدكتوراه في علم الحاسوب في جامعة بيرزيت، وذلك يوم الأربعاء 24 تموز 2024 في معهد مواطن حرم جامعة بيرزيت. افتتح الحوارية مدير مبادرة كرامة مضر قسيس، واستعرض هدف مبادرة كرامة من عقد هذا النقاش، فأشار إلى ضرورة فهم آليات عمل الذكاء الاصطناعي وتقنياته وتبعات ذلك على إنتاج المعرفة البشرية، ما يساهم في تشكيل موقفنا إزاء أثره على حياة وكرامة البشر.
ركزت مداخلة جرار على ضرورة فهم وتفكيك مفهوم الذكاء الاصطناعي الذي أصبح شائعا في الآونة الأخيرة؛ فأصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي مستخدمة في شتى المجالات. وأوضح أن مفهوم الذكاء الاصطناعي مرتبط بالقدرة على تعلم الآلة (machine learning) وتمكينها من استخدام تقنيات وطرق تحاكي فيها الذكاء البشري؛ بحيث تتمكن الآلة من التعرف على الصور وفهم الكلام والترجمة والإجابة على الأسئلة وحل المشكلات وغيرها من المهام. كما استعرض جرار التسلسل الزمني لتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، ابتداء من استخدام المنطق وقواعد الاستنتاج في الاستدلال على الإجابة والحل، مرورا باستخدام الخوارزميات لمجموعة من الأوامر الإرشادية في الوصول للحلول، ومن ثم إلى استخدام النموذج اللغوي الإحصائي الذي يتم تدريبه على حجم ضخم من النصوص المتوفرة رقميا.
وأشار جرار إلى الاعتبارات الأخلاقية والمخاوف التي قد تترتب عن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي يمكن أن تتسبب في تهميش أصوات المجتمعات الفقيرة، والأقليات غير القادرة على الوصول إلى شبكات الإنترنت (كون تقنيات الذكاء الاصطناعي الحالية تستند إلى حجم ضخم من البيانات والنصوص المرفوعة على شبكة الإنترنت)، كما أن استناد الذكاء الاصطناعي في بعض الأحيان إلى معلومات خاطئة أو متحيزة، يثير أسئلة حول الشفافية والمساءلة والغش الأكاديمي والتزوير والانتحال وغيرها من المخاوف ، وافتقارالذكاء الاصطناعي إلى لملكة الحكم (judgment) على الأمور.
وفي تعقيبه على المداخلة، أشار مضر قسيس إلى ضرورة التفكير في طرق لمواجهة المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي، فقد تهدد تقنيات الذكاء الاصطناعي بعض فرص العمل في سوق عمل آخذ بالتذبذب شيئا فشيئا. واستحضر قسيس بعض المخاوف التي قد تلحق بالإنتاج المعرفي في ظل انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تضع سقفاً متدنيا لإنتاج المعرفة قائم على الإجابات المتضمنة في المعلومات المتوفرة، بدون قدرة على ابتداع أفكار أو أسئلة خارج المعطيات المتاحة، وهذا على عكس ما عهدته البشرية تاريخيا في نشوء طفرات معرفية. وقارن قسيس في ختام مداخلته بين النظرية الداروينية التي تقترض إمكانية التقاطع العشوائي للكائنات، وتقنيات عمل الذكاء الاصطناعي، فمشيرا إلى أن آلية عمل "الطفرات العشوائية" المتصورة في نظرية داروين يقيدها "الانتخاب الطبيعي" الذي يدفع الطفرات "غير المواتية" للطبيعة نحو الاندثار؛ أما تقنيات الذكاء الاصطناعي كما نعرفها اليوم، فتحافظ على الصالح والطالح وتمنح كل النصوص المنتجة الحق في المشاركة في تشكيل المعرفة المقبلة بناء على معايير "التداول" و "الشيوع"، ما يضعنا أمام اعتبارات أخلاقية نحتاج إلى التفكير فيها مليّا.
تلا المداخلتين مداخلات واستفسارات من المشاركين ونقاش. فتنوعت الأسئلة حول مستقبل الذكاء الاصطناعي ومدى قدرته على التدخل بشكل أكبر في الحياة البشرية. يشار إلى أن مبادرة كرامة هي مبادرة بحثية في جامعة بيرزيت تهدف إلى تعزيز إنتاج المعرفة حول الكرامة الإنسانية وما يسهم في صونها، مستخدمة نهج فلسفة الممارسة، وتعالج ما يرتبط بالأحداث والقضايا التي تحدث حولنا من خلال عدسة مفهوم الكرامة.