ملاحظات مفاهيمية

Primary tabs

 

ملاحظات مفاهيمية

لمؤتمر مواطن السنوي الثامن والعشرين

فاعلو التغيير المجتمعي: تضييق مساحات العمل واستراتيجيات الصمود

المزمع عقده يومي الجمعة والسبت، 14 و15 تشرين الأول/أكتوبر 2022

بترتيب هجين في حرم جامعة بيرزيت وعبر الفضاء الافتراضي في الوقت ذاته

في ظل تغوّل النظام الرأسمالي والسياسات النيوليبرالية في العالم، وإحكام سيطرة المؤسسات الدولية على الدول، كالبنك الدولي وصندوق النقد، وسياسات الإقراض، وتصاعد الخطاب الشعبوي، وسيطرة الأحزاب اليمينية على حكومات العديد من الدول، وتطور أدوات الهيمنة ووسائل القمع والاستغلال الاقتصادي، وبالتالي تضييق المساحات على فاعلي التغيير المجتمعي، تأتي ضرورة الوقوف جدياً أمام واقع فاعلي التغيير في المجتمع، الساعين إلى إحداث التغييرات الجذرية، بعيداً عن انتشار قيم الفردانية واللاتنظيم، والتفكير في سبل واستراتيجيات الصمود والعمل للمؤسسات والأفراد والجماعات والحراكات والمجموعات المنظمة وغير المنظمة، وكل من يسعى إلى إحداث تغيير في المجتمع.

وعلى الصعيد العالمي، فإن جائحة كورونا وتجلياتها، كان لها أثر كبير على تضييق المساحات، سواء من خلال فرض قوانين الحظر والطوارئ، واستغلال هذا الظرف في بعض الدول لفرض مزيد من القمع والتضييقات، والتزايد في استخدام التكنولوجيا من أجل السيطرة والمراقبة وخلق حالة استثنائية تسودها حالة من الخوف والرعب، أو حتى على الأبعاد الشخصية للأفراد؛ إذ عززت الجائحة عزوف الأفراد عن المشاركة في المساحات العامة، والميل إلى العزلة الفردية، أو ضمن المجموعات الصغيرة.

وعلى الرغم من بروز قيم الفردانية وحالة التوجه النافي للسياسة (depoliticizationنلاحظ بروز العديد من محاولات التنظيم الجمعي في حراكات اجتماعية وسياسية ونقابية، ومنظمات ساعية إلى الدفاع عن حقوق الإنسان، وبخاصة حقوق الأجانب، واللاجئين والنازحين، في مقابل ازدياد قمع أجهزة الدولة، بمختلف الأشكال، كالقمع المباشر من خلال أجهزة الأمن، أو الاتجاه نحو فرض قوانين تقيد عمل المنظمات والجماعات والأحزاب والإعلام، إذ يصل التقييد أحياناً إلى حظر بعض الأجسام وتصنيفها كإرهابية أو معادية للسامية، إضافة إلى ظاهرة الإسلاموفوبيا، ويبرز هذا التوجه في عدد من الدول الأوروبية، التي تشهد صعوداً لليمين المتطرف في حكوماتها التي تجاهر بالعنصرية ضد الأجانب.  وفي دول أمريكا اللاتينية، نلاحظ نهوضاً للحراكات الاجتماعية والسياسية اليسارية المنظمة، والساعية إلى الدفاع عن الأرض والموارد الطبيعية، والبيئة، وحقوق السكان الأصليين، والمزارعين، والنساء، واللاجئين والنازحين، والمعتقلين السياسيين، على الرغم من ازدياد قمع أجهزة الدولة، وبخاصة في ظل توسع نفوذ وهيمنة المؤسسات الدولية والشركات العابرة للأوطان، والشركات الاستخراجية الهادفة إلى استغلال الموارد الطبيعية، إضافة إلى محاولات الولايات المتحدة الأمريكية المستمرة للسيطرة على عدد من دول أمريكا اللاتينية، ومحاصرتها اقتصادياً وسياسياً وحتى عسكرياً، وارتباط مصالح قوى محلية، وبخاصة النخب الحاكمة، بالحفاظ على الوضع القائم.

أما في الدول العربية، فنلاحظ الإشكاليات التاريخية والمتراكمة التي ظهرت على السطح بشكل أوضح بعد ثورات العام 2011، ومحاولات إعادة تشكل العالم العربي بقيادة القوى الرجعية بالتنسيق مع قوى عالمية حليفة، ومظاهر القمع الشاملة، وشيطنة حركات التحرر، وسفك المزيد من الدماء، وإجهاض أي محاولة للتغيير، وإرهاق الشعوب في البحث عن لقمة العيش والأمان في ظل ارتفاع معدلات الفقر والظروف الحياتية الصعبة، وبالتالي عزوفهم عن المشاركة في الحيز العام، والمبادرات، ومحاولات التنظيم المجتمعي والسياسي.

على صعيد فلسطين، نرى حالة من فقدان الرؤية والشرذمة والتقسيم والتفكك في العمل الجمعي، وضياع المشاريع الوطنية والاجتماعية والسياسية، وتبرز التضييقات والممارسات المتبعة من قبل السلطة؛ سواء على مستوى تقييد الحريات، أو الاعتقالات، أو حظر عدد من المنظمات والرقابة على عملها وإغلاقها، أو القرارات بقانون، إضافة إلى الرقابة المالية.  وتتسم الحالة منذ سنوات بسعي من قبل السياسات المحلية والدولية إلى تكبيل الشعب بسلاسل الدَّين، والاستهلاك، وغياب الأمن، وغياب الضمان الاجتماعي وشبكات الحماية الاجتماعية، ذلك إلى جانب تجليات الحالة الاستعمارية التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ أكثر من سبعين عاماً، والأدوات المتجددة والمتطورة التي يستخدمها الاستعمار في كبح جماح النضال الفلسطيني، وإحباط أي محاولات ومبادرات للتنظيم والعمل الجمعي، والسعي الدائم إلى وصم المنظمات والأجسام الفلسطينية بالإرهابية.

لا يهدف المؤتمر إلى إيجاد الإجابات والحلول السحرية، بل المساهمة في فتح نقاش حول عدد من القضايا والمفاهيم والأسئلة، ومن هنا نرى شرعية وضرورة التساؤل حول كلٍّ مما يلي:

هل التنظيم المجتمعي والسياسي لا يزال ممكناً في ظل سياسات الإقراض على الصعيد الفردي وعلى صعيد الدول التي تم إرهاقها بالديون؟ هل التغيير لا يزال ممكناً في ظل سيطرة القيم الفردانية والسياسات النيوليبرالية المحلية والدولية المتبعة؟ هل يأتي دور فاعلي التغيير المجتمعي ضمن إعادة إنتاج وتعميم فكر الطبقة المسيطرة وقيمها؟ هل الحياد والاستقلالية لفاعلي التغيير المجتمعي ممكن؟ هل تعمل السلطة على خلق مؤسسات وأجسام لتحلّ مكانها في محاولة لصياغة دور فاعلي التغيير المجتمعي ضمن الحدود المسموحة التي لا تمس جوهر وجود السلطة؟ ما هي حدود عمل فاعلي التغيير المجتمعي في ظل سيطرة القطاع الخاص على الحيز العام؟ هل أصبح فاعلو التغيير المجتمعي في مواجهة ليس مع السلطة والنخب الحاكمة فحسب، بل مع رأس المال والشركات الخاصة والعابرة للأوطان كذلك؟ هل تمت صياغة مساحات التغيير في إطار الإصلاح والدور الخدمي المجتمعي؟ هل تفتيت قضايا المجتمع وخلق أجسام قطاعية يساهم في تفتيته وإضعاف مؤسساته وحراكاته ومحاولات التنظيم المجتمعي؟ ما هو أثر تطبيع الحكومات العربية على فاعلي التغيير المجتمعي والحراكات الاجتماعية والسياسية؟

 

محاور المؤتمر:

سيناقش مؤتمر مواطن السنوي الثامن والعشرون هذه القضايا، بالتركيز على مساحات العمل لفاعلي التغيير المجتمعي، وفعل التغيير الاجتماعي ضمن الحيز العام.  وسيعرض المؤتمر هذه القضايا ضمن أربعة محاور:

 

المحور الأول: تأطير نظري ونقاش حول عدد من المفاهيم، منها: مساحات العمل، التغيير الاجتماعي، العمل الفردي والعمل الجمعي، الحيز العام، تأثير جائحة كورونا على الفضاء المدني المتقلص، حالة الميوعة وعدم الوضوح التي نعاني منها في المجتمعات العربية فيما يتعلق بالفصل والحدود بين السلطة والمجتمع والدولة والنظام والحكومة والحراكات الاجتماعية والسياسية، وما يحدث من قمع سلطوي في الأنظمة الديكتاتورية تحت مبدأ "حماية سيادة الدولة"، ومبدأ "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول"، أي قمع الحريات ومساحات العمل المجتمعي.

المحور الثاني: فاعلو التغيير المجتمعي في فلسطين، بين تضييق السلطة، والقطاع الخاص، والاحتلال، والممول الأجنبي.  يتطرق هذا المحور إلى نقاش الحالة الفلسطينية، على وجه الخصوص، والتضييقات التي يعاني منها فاعلو التغيير المجتمعي؛ سواء أكانوا العاملين في المؤسسات غير الحكومية، أم الحراكات الطلابية والشبابية والاجتماعية والسياسية، والأحزاب السياسية، والنقابات العمالية والمهنية، والتعاونيات، ومختلف أشكال المبادرات الساعية إلى التغيير.

المحور الثالث: تضييق مساحات العمل على فاعلي التغيير المجتمعي إقليمياً وعالمياً، وفهم فلسطين ضمن هذا الإطار.  يناقش هذا المحور التهديدات والقمع والاعتقالات ومحاولات الاغتيال التي يتعرض لها فاعلو التغيير المجتمعي، كالمدافعين عن حقوق الإنسان، والناشطين في الحراكات الاجتماعية والسياسية، والعاملين في منظمات المجتمع المدني.  ربما تتضح هذه الصورة أكثر في مناطق خارج فلسطين، سواء أكانت دولاً عربية أم غير عربية؛ في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وبعض دول آسيا، والأمثلة عديدة.  كما يسعى هذا المحور إلى المساهمة في فهم تأثير سيطرة المؤسسات الدولية والشركات العابرة للأوطان على العديد من الدول، وبالتالي ترويضها وتقييد حدود وإمكانيات استقلالها، إلى جانب السياسات النيوليبرالية وتصاعد الحكومات الشعبوية في الوقت ذاته، وارتباط ذلك بمساحات العمل الجماعي لفاعلي التغيير.

المحور الرابع: استراتيجيات الصمود والعمل لفاعلي التغيير المجتمعي.  يسعى هذا المحور إلى التفكير في أدوات الصمود لفاعلي التغيير المجتمعي، وتعزيز استراتيجياته، والبحث في أساليب تنظيم العمل، وإمكانيات التفكير في البدائل فيما يتعلق بوسائل الإعلام البديل، والتمويل، والعمل الجماعي المنظم، والتضامن بين أطراف المنظمات والحراكات والأفراد المجتمعية والسياسية.