You are here

مؤتمر مواطن السنوي السادس والعشرون "متى تعود الابتسامة إلى عالمنا؟"

Primary tabs

?When will the Smile Return to Our World
تاريخ المؤتمر/الندوة:
25 - 27 أيلول / سبتمبر 2020

سيناقش مؤتمر مواطن السنوي السادس والعشرون هذه القضايا على النطاق العالمي بما يشمل النطاق العربي. أما فيما يتعلق بفلسطين، ننوه إلى أن المؤتمر السنوي لمؤسسة الدراسات الفلسطينية الذي سيعقد هذه السنة بالاشتراك مع معهد مواطن في أواخر شهر أكتوبر / تشرين الأول بعنوان "التحديات السياسية الراهنة وآفاق المستقبل الفلسطيني"، وأن جزءا منه سيخصص لمكانة فلسطين وأثر التحولات العالمية عليها.

وسيعرض مؤتمر مواطن السادس والعشرون لهذه القضايا ضمن ثلاث محاور:

المحور الأول: تشخيص أزمة النظام العالمي الراهن وسبر عمقها وتبعاتها، ونقاش طبيعة الحقبة النيوليبرالية، وتراجع مكانة ودور المؤسسات الدولية، واستقطاب الثروة، وتتابع الأزمات، ونمو الاتجاهات الشعبوية والفاشية، وأنماط الهيمنة بما في ذلك الأمننة، والرقمنة، والقوننة، والسياسة الحيوية، والإفقار المعرفي، ووقع كل ذلك على العالم العربي.

المحور الثاني: آليات التحول والتغيير في النظام العالمي، ويناقش الحركات والحراكات السياسية وطبيعتها المطلبية من جهة والبنيوية من جهة أخرى، وآفاق التضامن الأممي، والثورات، وارتباط القضايا التحررية المناهضة للاستعمار، والتي تكافح التلوث واستنزاف الطبيعة والاحتباس الحراري، وتلك التي تناضل من أجل الحريات، وضد التمييز، وفي سبيل العدالة، وآفاق نجاحها، وأشكال تنظيمها (بما في ذلك الرقمنة)، وفعلها السياسي، وأدواتها المعرفية، ومكانة العالم العربي ودور شعوبه في عملية التغيير.

المحور الثالث: معالم المستقبل من حيث رفاه الشعوب، والعدالة، والثروة، والعمل، والتعليم، والصحة، والضمان الاجتماعي، وكيفية انعكاس التحولات الممكنة على العالم العربي.

 

 

 

ملاحظات مفاهيمية

مؤتمر مواطن السنوي السادس والعشرين

"متى تعود الابتسامة إلى عالمنا؟"

25 - 27 أيلول / سبتمبر 2020

 

 

أدى تفشي وباء فيروس كورونا في بداية سنة 2020 وتخبط غالبية الدول في مواجهته، والحيرة حول ضرورة المفاضلة بين صحة وحياة الناس وصحة الاقتصاد (وربما حياته أيضا) إلى انكشاف النظام العالمي. لقد رفعت الجائحة القناع عن أمور كثيرة، وكشفت زيف الوعد النيوليبرالي بالتمكين، وتحقيق الذات، وانطلاق الطاقات، فاتضح أن المسار الذي وعد بالتمكين وتحقيق الذات والانطلاق مرهون بعبودية تتم من خلال تكبيل الناس بسلاسل الدين، والاستهلاك، وغياب الضمان الاجتماعي، وغياب الأمن، بالإضافة إلى سلسلة من الأزمات الاقتصادية والسياسية. كما كشفت أن الحكومات وأجهزتها قادرة على التدخل وتنظيم الأمور حين تريد، وكشفت كذلك أن استثمار الدول في الأمن شكل أولوية فكانت الأنظمة الأمنية أكثر جاهزية من الأنظمة الصحية في أغلب الدول وعلى كل المستويات.

أفضت الأزمات المتتابعة منذ بداية القرن إلى ازدياد الاستقطاب في العالم في عملية أماطت اللثام عن قرب انتهاء "القرية العالمية"، وعن الوعد بعالم يعمه السلام يتجه بخطى حثيثة نحو الديمقراطية وتعزيزها، ويحتفي بحقوق الإنسان. وباتت مظاهر الاستقطاب تتخذ أشكال الفروقات الصارخة في الثروة، والحروب، والنزاعات، والصراع على الهيمنة، واحتقار القانون الدولي، ونمو الشعبوية اليمينية بنزعات فاشية متزايدة. وبطبيعة الحال، رافق ذلك نمو أشكال مختلفة من المقاومة لهذه الظواهر بطرق متنوعة.

على مستوى العلاقات الدولية، باتت علاقات الدول أشبه بما كانت عليه في القرن التاسع عشر، فعاد الاستعمار بأساليبه القديمة لحماية الاستعمار الجديد الذي بات مهددا من ناحية، ومتنازعا عليه من ناحية أخرى. شهد ربع القرن الأخير (بعد انتهاء الحرب الباردة، وانهيار المعسكر الاشتراكي، وزوال "الخطر الشيوعي") عمليات عسكرية أمريكية في أفغانستان، وإيران، وباكستان، والسودان، وسورية، والصومال، والعراق، وكولومبيا، وليبيا، وهاييتي، واليمن، ويوغوسلافيا. هذا بالإضافة إلى التدخلات غير المباشرة (مثل فنزويلا)، وإلى امتلاك الولايات المتحدة لما يزيد على ثمانمائة قاعدة عسكرية على أراض أجنبية. وبشكل عام تشير النزاعات الإقليمية والحروب بالوكالة المتزايدة إلى تصاعد التنافس بين القوى الإمبريالية على الهيمنة. وانتقلت روسيا إلى العمل على توسيع رقعة الهيمنة وعمقها عبر المواجهة مع الغرب من خلال دعم انفصال أسيتيا وأبخازيا عن جورجيا سياسيا وعسكريا، و(إعادة) الاستيلاء على القرم، وإنشاء مركز ثقل في شرق أوكرانيا، ولعب دور استراتيجي في سورية، ودور آخر في ليبيا، والترويج لتصعيد قوتها العسكرية. وانتقلت الصين، باستخدام ما يطلق عليه "القوة الناعمة"، يرافقها استعراض للقوة الخشنة، لتتحول إلى قوة عالمية بمكانة أقوى من تلك التي كانت لها إبان الحرب الباردة. وقامت اليابان سنة 2014 بتعديل قوانينها بما يسمح بانخراط قواتها العسكرية بالقتال خارج البلاد، وجاء ذلك بعد عدد من التعديلات التي هدفت إلى عودة اليابان إلى لعب أدوار عسكرية بدءا من سنة 1991.

شكل "العالم الأول" بؤرة الزلازل الاقتصادية التي كان أقواها زلزال سنة 2008، ثم بات بؤرة للزلزال الصحي إبان الجائحة سنة 2020. وسرعان ما أدت هذه الزلازل إلى ردود فعل سياسية تمظهرت في نشوء حركات وتحولات جديدة مثل حركة إندغنادو في إسبانيا (والتي تمخض عنها حزب بوديموس)، وحركة السترات الصفراء في فرنسا، وحركة حياة السود مهمة التي انتشرت من الولايات المتحدة إلى دول أخرى كثيرة. ويتسع بشكل متزايد في أوروبا انتشار الخطاب حول ازدواجية التاريخ (التاريخ التحرري، والتاريخ الاستعبادي) الذي زاوج بين رفاه أوروبا ونهب ما بات يعرف بالعالم الثالث، ووصل مؤخرا إلى أفعال شعبية رمزية تكمن في تحطيم رموز العبودية والاستغلال بعدما ما اقتصر هذا الخطاب لفترة طويلة على "المثقفين النقديين". أما من الوجهة الأخرى، شهدت التوجهات الشعبوية نموا ملحوظا في الدول الغربية وتلك التي انضمت إليها من شرق أوروبا، وباتت الاتجاهات اليمينية ذات التوجهات العنصرية، والفاشية، دارجة في دول العالم الأول، ولم يعد خطاب الديمقراطية وحقوق الإنسان سائدا بالضرورة.

أما "العالم الثاني" فيعمل على إنهاء حالة أحادية القطب (وهي جوهر ما أُطلق عليه "القرية العالمية"). ويتوقع المحللون أن تفضي التوازنات الجديدة إلى عالم متعدد الأقطاب وليس العودة إلى الثنائية القطبية.

ويشهد العالم الثالث تحولات كثيرة بينها "ميادين التحرير"، التي أعلنت الرغبة الشعبية بإعادة تشكيل الأنظمة السياسية. كما ويشهد موجة جديدة من الحروب بالوكالة، وتوترات إقليمية متصاعدة (إثيوبيا، وإيران، وباكستان، وتركيا، وجنوب أفريقيا، ودول الخليج، والسودان، وغرب أفريقيا، وفنزويلا، ومصر، والهند، وغيرها). كما يشهد بروز قوى إقليمية صاعدة مثل إيران، والبرازيل، وتركيا، وجمهورية جنوب أفريقيا، والهند. وتستمر في الهيمنة فيه عموما قوى سلطوية ذات اتجاهات يمينية بعضها شعبوي. الجديد، أو المستجد، في مشهد العالم الثالث هو الانقسام الحاد بين أولئك المرتضين بواقع الحال ولا يرون أساسا لإحداث تغيير، وأولئك الذين يعتقدون أن الوقت قد حان لإعادة تشكّل العالم على أسس جديدة.

هناك أمور لافتة فيما يتعلق بعملية الاستقطاب: أولها، إن هناك محاولات متعددة لبناء الأحلاف، والحركات السياسية على أسس غير قومية أو إقليمية أو أيديولوجية (مثل مجموعة "بريكس"). وثانيها، إن الصراعات داخل التحالفات الإقليمية تشتد، ومن الأمثلة على ذلك مشاكل الاتحاد الأوروبي والشكوك الشعبية بشأن جدواه، وخروج المملكة المتحدة منه، والانقسام داخل مجلس دول التعاون الخليجي، وتراجع دور فنزويلا ضمن الاتجاه المناهض للإمبريالية في أمريكا الجنوبية، وغير ذلك. وثالثها، إن عمليات الاستقطاب الداخلية باتت تتخذ السمة الشعبوية بشكل متزايد، فلم تعد النحبة الحاكمة في إسرائيل تكتفي بـ"الخطر العربي"، بل باتت تحذر ليل نهار من "اليسار"، وتفاخر ببناء تحالفات مع اليمين العربي. مثال آخر هو الشرخ غير المسبوق بين النخب الأمريكية. ورابعها، إن هناك مشاريع جديدة ومتعددة لبناء أحلاف سياسية عالمية أممية عابرة للدول، ومتجاوزة للولاء القومي: فيعتقد الناشطون المعادون للسياسات النيوليبرالية في إسبانيا، وألمانيا، وإيطاليا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، واليونان أن عليهم التحالف فيما بينهم ومع الحركات التي تتبنى مواقف مشابهة في شرق آسيا، وأفريقيا، وأمريكا الجنوبية، والعالم العربي. من اللافت أيضا أن بعض ممثلي هذه الحركات التي تسعى إلى أن تكون عابرة للدول حققوا نتائج متقدمة على صعيد حملاتهم تجسدت بحصول ساندرز ذي الخطاب الاشتراكي على أصوات عالية في الحزب الديمقراطي، ونجاح حزب سيريزا المصنف يساريا متطرفا في الانتخابات في اليونان سنة 2015، والتحولات غير القليلة في سياسة حزب العمال البريطاني تحت قيادة كوربن، ووصول كاترين جاكوبسدوتر من الحزب الاشتراكي البيئي إلى رئاسة الوزراء في أيسلندا، وغيرها.

وباختصار، يمر العالم في مرحلة استقطاب واصطفاف تشير إلى وجود قناعة لدى جميع الأقطاب أن العالم قاب قوسين من الدخول في حقبة جديدة. ويقوم الجميع بصقل سيوفهم من أجل تحقيق أفضل المواقع ولعب أكبر دور في تشكيل النظام القادم. بيد أن الصراع على المستقبل هو في حقيقة الأمر صراع بين قوى الحاضر، وتنافس على القدرة على تسخير أدوات الحاضر لمصلحة تحقيق الرؤى الراهنة المتناقضة حول المستقبل. ويشكل الحفاظ على الوضع الراهن وتكريسه وتعميقه إحدى الرؤى للمستقبل بالضرورة، ويتبنى هذه الرؤية أولئك الذين يتربعون على عرش الحاضر. وفي المقابل، هناك قوى تسعى إلى الخروج من الأزمات والتعثر، أدركت زيف الوعد النيوليبرالي، وأصبح لها زخما في أنحاء العالم.

نتيجة هذا الصراع ستحدد المستقبل. فإذا استطاعت الأنظمة، بعد ما تحولت إلى ما يمكن وصفه بالنيوليبرالية الأمنوقراطية من قمع حراكات التغيير، ونجحت في تعزيز هيمنتها الشعبوية اليمنية، ستزداد أوضاع البشرية سوءا، وسنكون على شفى حرب عالمية ثالثة أو ما يشبهها. يشار إلى أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن جائحة كورونا، التي ضربت العالم قبل أن يتعافى اقتصاده من أزمة سنة 2008، يمكن أن تسهم في زيادة فرض تحقق هذا الاحتمال، خاصة بعدما تمدد وتعزز دور قوى الأمن بشكل إضافي في مرحلة الجائحة.

الاحتمال الثاني هو أن تقرر القوى الفاشية نقل المعارك مع جماهير بلدانها إلى حروب، لتحمي نفسها وتعمل على ترميم أنظمتها من خلال عمليات إعادة البناء والتخلص من البطالة والمعارضة في ساحات الحروب. وفي هذه الحالة سيعود العالم إلى حالة قرينة بما تلى إحدى الحربين العالميتين: إما اقتسام عسكري يشكل حالة رديفة للاحتلال والانتداب والوصاية بأدوات عصرية؛ أو اقتسام ناعم يشكل حالة رديفة للاستعمار الجديد بأدوات عصرية.

أما الاحتمال الثالث فيكمن في أن يجد العالم نفسه منهكا ومتهالكا، ومضطرا إلى صوغ نظام عالمي جديد لا يعتمد على الاقتسام الإمبريالي للعالم، بل على ترجيح الميزان لصالح الشعوب من جهة وتحجيم القوى المهيمنة حاضرا من جهة أخرى.

ويعتمد ترجيح الاحتمالات على عوامل كثيرة ليس أقلها قدرة القوى المناهضة للنظام الراهن على التنظيم السياسي العقلاني الفاعل، وهو خيار نراه قادما إما في المدى المنظور، أو المدى الأبعد. وفي كل الأحوال، لا نملك مقومات تصميمه، أو حتى وصف معالمه، ولكننا نعرف أنه سيلد من رحم الحاضر، وأنه سيتشكل من تلك المكونات التي ستتمكن الحركات السياسية في أنحاء العالم من تشكيلها، وبذلك الزخم الناتج عن نشاطها السياسي بشكل رئيسي.

محاور المؤتمر

سيناقش مؤتمر مواطن السنوي السادس والعشرون هذه القضايا على النطاق العالمي بما يشمل النطاق العربي، ويعرض لها في ثلاثة محاور:

المحور الأول: تشخيص أزمة النظام العالمي الراهن وسبر عمقها وتبعاتها، ونقاش طبيعة الحقبة النيوليبرالية، وتراجع مكانة ودور المؤسسات الدولية، واستقطاب الثروة، وتتابع الأزمات، ونمو الاتجاهات الشعبوية والفاشية، وأنماط الهيمنة بما في ذلك الأمننة، والرقمنة، والقوننة، والسياسة الحيوية، والإفقار المعرفي، ووقع كل ذلك على العالم العربي.

المحور الثاني: آليات التحول والتغيير في النظام العالمي، ويناقش الحركات والحراكات السياسية وطبيعتها المطلبية من جهة والبنيوية من جهة أخرى، وآفاق التضامن الأممي، والثورات، وارتباط القضايا التحررية المناهضة للاستعمار، والتي تكافح التلوث واستنزاف الطبيعة والاحتباس الحراري، وتلك التي تناضل من أجل الحريات، وضد التمييز، وفي سبيل العدالة، وآفاق نجاحها، وأشكال تنظيمها (بما في ذلك الرقمنة)، وفعلها السياسي، وأدواتها المعرفية، ومكانة العالم العربي ودور شعوبه في عملية التغيير.

المحور الثالث: معالم المستقبل من حيث رفاه الشعوب، والعدالة، والثروة، والعمل، والتعليم، والصحة، والضمان الاجتماعي، وكيفية انعكاس التحولات الممكنة على العالم العربي.

 

ملخصات المداخلات

 

 

هالة يوسفي

السيادة الوطنية للدول العربية: أهي طوباوية؟

كانت المطالب الرئيسية التي تصاعدت في الثورات العربية من تونس إلى دمشق وحتى البحرين، هي: "الشعب يريد إسقاط النظام"، و"عيش، حرية، كرامة وطنية".  وبعد مرور تسع سنوات، لم تتحقق هذه المطالب بعد.  فعلى الأرض، لا تزال الشعوب تناضل لإيجاد حلول سياسيَّة، واقتصاديَّة، واجتماعيَّة لهذه المشاكل، وتم اللجوء إلى العديد من التفسيرات الداخلية والإقليميَّة لتفسير هذه المصاعب.

ويزيد من تعقيد الديناميكيات الحالية حقيقة أنَّ هذه الشعارات تعتبر الدولة هدفاً تصوب نحوه سهام التحدي والجهة التي يتوقع منها إيجاد الحلول في الوقت نفسه.  هي ذاتها جهة توفر الوظائف وتضمن السيادة الوطنية.

لا يستطيع المرء إنكار هذه المعضلة أو حلها.  ومع ذلك، فقد أنتجت هذه المعضلة، للأسف، عدداً من النظريات المبسَّطة: يختزل أحد التفسيرات العمليَّة الثوريَّة ليعتبرها قضايا متعلقة في اللبرلة السياسيَّة والاقتصاديَّة، بينما يركز تفسير آخر على دور الدولة في إدارة المشاكل الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة.

لكن هذه الأطروحات لا تصمد أمام الملاحظة الدقيقة للحقائق، وتثير سؤالين أساسيين: ماذا تعني عودة "السيادة الوطنية" بالنسبة إلى الأجندة السياسيَّة للدول العربية؟ هل يمكن أن تظل الدولة (وعن أي نوع من الدولة نتحدث؟) موضوعاً للتحليل ذا صلة، في منطقة تعاني من الحروب والتحولات النيوليبراليَّة؟ وقبل كل شيء: هل تمتلك الدولة الموارد السياسيَّة، والاقتصاديَّة، والرمزيَّة للاستجابة للمطالب التحرّرية لشعوب المنطقة؟

دلال البزري

الإمبريالية غير التقليدية تحتاج إلى يسار غير تقليدي

الوباء توّجَ أعطاباً كانت تعتري النظام الذي اتسم بالريادية، وكانت قد ضعفت قيمه التقليدية، ومكانته الاقتصادية والتكنولوجية، وجنح بخط سير مناقض للديمقراطية.  وضعفت الإمبريالية التقليدية مع بروز إمبرياليات جديدة، تحتوي على صراعات.

الأعداء المعتَمدون للنظام القائم هم "القائمون بأعمال" اليسار التقليدي الذين ورثوا دوره.  بينهم الأصوليون الإسلاميون، ولكن حمولتهم اليسارية ليست ثقيلة.  وقد تبنتهم ودعمتهم إمبرياليات عالمية وإقليمية قديمة وجديدة.

ويقبع اليساريون ضمن هذه المعادلة ضمن الحلقة المتوسطة المؤيدة للأصولية الشيعية.  يتبعون خطاها في أولوية العداء للإمبريالية التقليدية والصهيونية، وفي مسألة التقرّب من الإمبرياليات الجديدة.  دفعتهم أولوية العداء للإمبريالية إلى التخلي عن بقية أوجه يساريتهم (الأوجه الاجتماعية-السياسية).

اليساريون الباقون، الذين ما زالوا هم أيضاً يعتزون بيساريتهم، مشتتون، مبعثرون، ضائعون.  لا يجمعهم إلا موقف واحد: العداء لمحور إيران.  وهم موزعون بين نيوليبراليين بدرجات ومجالات متفاوتة، مثابرون، وهم فرادى، على المطالبة بالديمقراطية ودولة القانون ... إلخ، ودعاة يوعظون موسمياً بإعادة "إحياء المشروع اليساري"، أو "استنهاضه".

السؤال: كيف يمكن المزاوجة بين إمبرياليات جديدة وتقليدية، وبين يسار تقليدي وجديد... إذا كان المطلوب قيامة "القوى المناهضة للنظام الراهن"؟

مصطفى كامل السيد

أزمة الرأسمالية في ظل الفوضى العالمية الراهنة

هناك ثلاثة أبعاد رئيسية للأزمة الحالية التي تواجه العالم الرأسمالي وهي: وباء كوفيد-19، والركود في الاقتصاد العالمي، وتدهور الظروف البيئيَّة.  ومع تكرار الأزمات في ظل الرأسماليَّة، لا يبدو أنَّ التجربة التاريخيَّة تقدم دروساً جيدة حول كيفية التعامل مع الأزمة الحالية.

يبدو أنَّ الوصفات القديمة ليست فعالة في التعامل مع أسباب هذه الأزمة العميقة المتجذرة في انخفاض معدل العائد على رأس المال، وتركيز الثروة، وتزايد عدم المساواة في توزيعها، والقدرة الإنتاجيَّة غير المسبوقة التي يقابلها الطلب المتقلص.  ويتم تقديم العديد من البدائل كمخرج، بدءاً من الإصلاحات داخل النظام الرأسمالي الحالي، مروراً بالانتقال إلى أنواع جديدة من الرأسماليَّة؛ مثل الرأسماليَّة الأخلاقيَّة، والرأسماليَّة المنظمة، وصولاً إلى العودة إلى نموذج دولة الرفاهية.  وعلى الرغم من أنَّ النيوليبرالية قد مهدت الطريق للأزمة الحالية، فإنَّ الانهيار الكامل للنظام الرأسمالي العالمي أمر غير مرجح.  وبالتالي، فإنَّ السيناريو الأكثر احتمالاً هو استمرار الأزمة.  فكيف يمكن للأنظمة الفرعية المختلفة للرأسماليَّة، مثل الأنظمة السياسية وأنظمة التنشئة الاجتماعية الفرعية أن تساهم في تأبيد نظام اقتصادي واقع في أزمة؟

رائف زريق

الشعبوية وحنة أرندت

الشعبوية ظاهره تشغل الفكر السياسي في العقد الأخير، وهناك الكثير من المقالات التي تحاول فهم ظهور حركات وقيادات مثل ترامب، وأردوغان، ونتنياهو في أرجاء العالم.  وهناك حديث مستمر حول الأزمة التي يواجهها الفكر الديمقراطي الليبرالي في هذه المرحلة، ومحاولات مستمرة لفهم هذه الأزمة وتشخيصها.

في هذه الورقة سأحاول أيضاً الإسهام في هذا النقاش، وذلك من خلال زاوية محددة في تاريخ الفكر اعتماداً على حنة أرندت.  كانت أرندت قد رصدت وحللت ظهور الأنظمة التوتاليتارية في القسم الأول من القرن المنصرم، وذلك في كتابها حول أسس التوتاليتارية.  وعندما نقرأ نص أرندت، فإننا نشعر أننا أمام نص يصف بعض الظواهر التي نعيشها الآن في مرحله امتداد وهيمنه سياسات وحركات شعبوية.

تهدف الورقة إلى المقارنة بين الحركات الشعبوية الآن وبين الحركات التوتاليتارية التي تصفها أرندت في منتصف القرن المنصرم لأسأل عما إذا كان هناك ما نتعلمه من أرندت في هذا السياق، وإلى أي مدى يمكن أن تتحول النزعات الشعبوية إلى حركات توتاليتارية، وإلى طبيعة الأزمة في الفكر الليبرالي في القرن المنصرم مقارنة مع أزمته الحالية.

باسم الزبيدي

إعادة تموضع الفساد السياسي في النظام العالمي الراهن

ترسم المداخلة الإطار العام لأهم ملامح الفساد السياسي البنيوي الذي رافق التحولات النيوليبرالية في العقود الأخيرة، وذلك لغرض مناقشة وتحليل صيغ تموضعه الجديدة مستقبلاً، وبخاصة في فترة ما بعد جائحة كورونا الراهنة.  كما تتناول المداخلة انعكاسات عملية تموضع الفساد السياسي تلك، وآثار ذلك على حالة البشرية سياسياً وبيئياً، وبخاصة من زاوية مآلات حالة الديمقراطية وصحة البيئة.

ريم بهدي

هل التضامن الدولي عبر ثنائية المُستَرَد–غير المُستَرَد ممكن؟

صُنّف الناس، عبر الأزمنة والأمكنة المختلفة، إلى مجموعات، واعتُبروا قاصرين أخلاقياً، واستُخدم قصورهم الأخلاقي لتفسير وضعهم المحزن والعنف الذي وجهته إليهم الدولة.  وفي كل مرة، يكون للمجموعة التي تُعتبر قاصرة أخلاقياً نظير، يواجه ظروف الحياة نفسها، ولكن يتم تعريف ظروفه بأنها نتيجة لعوامل خارجية وليست سمة متأصلة به.  وتم وضع القوانين لتعكس كل ذلك.  تخدم هذه الآلية من تحديد المجموعات وتقسيمها إلى تلك القاصرة من الداخل (وبالتالي غير قابلة للإصلاح) مقابل أولئك الذين يعيشون في ظروف قاصرة (وبالتالي قابلة للإصلاح)، وظيفة سياسية معينة - فرّق تسد.  ولكن، من المفترض أنَّنا نعيش في عالم ما بعد فرّق تسد؛ حيث وعد القانون الدولي، ولا سيما القانون الدولي لحقوق الإنسان، بعمل المستطاع لإنهاء مبدأ فرِّق تسد.  ووعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأنه "يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق".

ترتكز الكرامة، والمساواة، والحقوق على إمكانات التضامن الدولي وتتصدرها.  ونحن نعلم الآن أنَّه ليس بالإمكان تحقيق هذه الطوباوية من خلال القانون.  لكن هل يمكننا بناء التضامن الذي نحتاجه للاقتراب من العدالة من خلال القانون؟ وهل يمكننا استخدام القانون لبناء تضامن دولي، آخذين بعين الاعتبار دور القانون في عمليات التصنيف، والتأديب، والسلب؟

كواديو أبياجي - أتوا

تشكيل هوية إفريقية للحوكمة وحقوق الإنسان في النظام العالمي ما بعد الجائحة

يتم الحديث عن نظام عالمي جديد في أعقاب جائحة كورونا، لذلك هناك احتمال ظهور مرحلة تاريخية جديدة مليئة بالتغييرات العالمية حول الفكر السياسي وتوازن القوى.

لقد تطرق هنتنجتون إلى صدام الحضارات وللحضارات الأفريقية، ولكن في الحاضر، فقط. وقال إنها ما زالت تتبلور. هذا الموقف صحيح جزئياً فقط، حيث إن أفريقيا كان لديها حضارات مزدهرة.

إلا أن ما تفتقره أفريقيا اليوم، هو حضارة وهوية أفريقية متجذرة في حقوق الإنسان والديمقراطية، ومستمدة من حضاراتها وثقافاتها القديمة لتشكيل نوع من الحوكمة التي تتطرق لاحتياجات الشعوب الأفريقية في الزمن الراهن.

هناك تخوف من أن يتخطى النظام العالمي الجديد الناشئ أفريقيا، ويبقيها على هامشه. يرتكز هذا القلق على طريقة أداء الحكومات، بدعم من الوكالات الأمنية، في عدد من الدول الأفريقية خلال أزمة فيروس كورونا في السعي لتحقيق التوازن بين الحقوق الفردية ومصالح المجتمع. كما يتعلق أيضاً بكيفية سن قوانين الطوارئ للتعامل مع الوضع الطارئ من دون إعلان حالة الطوارئ، والرد المحزن من الاتحاد الأفريقي لإدانة مثل هذه الممارسات.

استناداً إلى التاريخ، فإن القوانين الجديدة التي تم سنها والتوجيهات الجديدة والإجراءات الجديدة المفروضة، سوف تتجاوز حالة الطوارئ وتصبح "الوضع الطبيعي الجديد". سيؤدي هذا الاتجاه، بالتأكيد، إلى إضعاف الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون. تميل هذه الظاهرة إلى صرف انتباه أفريقيا عن التركيز على الاستفادة من وضع نفسها في النظام العالمي الجديد، واستخدامه لبناء هيكل ديمقراطي شامل ومستدام وتنموي للقارة. لدينا الآن فرصة جديدة في النظام العالمي الجديد الناشئ، لتشكيل هوية ثقافية دائمة حقيقية تقوم على مفهوم محلي لحقوق الإنسان والحكم الديمقراطي.

سامي خطيب

العنف، والرأسمالية، وشبح الفاشية

في ثلاثينيات القرن الماضي، قال ماكس هوركهايمر، وهو أحد المؤسسين الرئيسيين للنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت: "يجب على أولئك الذين لا يريدون التحدث بشكل نقدي عن الرأسمالية، أن يلزموا الصمت بشأن الفاشية".

لا يمكن فهم عنف الفاشية "الاستثنائي" دون تحليل عنف الرأسمالية "الطبيعي"؛ وفقاً للنظرية الماركسية، فإنَّ العنف هو سمة متأصلة في المجتمع الطبقي الرأسمالي.  إذا كانت العلاقة الاجتماعية الاقتصادية الأساسية علاقة عنيفة، فإنَّ العنف ليس استثناءً، بل هو يشكّل، ويحفظ، ويُظهر كيف يظلّ العنف الواضح لـ"التراكم الأولي لرأس المال" حاضراً في الحياة اليومية للإنتاج الرأسمالي.  وينطبق الأمر نفسه على عنف الاستعمار والإمبريالية: فهو جزء لا يتجزأ من تاريخ الرأسماليَّة ووظائفها المستمرة.  في هذه الورقة، سأعتمد على تحليل فرانس فانون القاتم لواقع العنف الاستعماري؛ يدرك فانون الوجود الشبحي للعنف الاستعماري كعلاقة غير متكافئة وديالكتيكية، دون اللجوء إلى وهم اللاعنف أو تكافؤ العنف بين العنف (الاستعماري) ونظيره العنف (المناهض للاستعمار).  وكما سأناقش، فإنَّ مفهوم والتر بنجامين الجدلي حول "العنف الأسطوري" يثبت فائدته عند قراءته مع فانون وضدّه.  وفي الختام، سأطرح السؤال التالي: كيف من الممكن لنظرية مدرسة فرانكفورت المبكرة حول الفاشية أن تساعدنا على فهم الوضع الحالي للفاشية النيوليبرالية، والأشكال الاستبدادية للهيمنة الرأسمالية المعاصرة، واستدامة الواقع الرأسمالي في وظائفه النظامية أو "العادية"؟ على المستوى العالمي، يشير العنف المطبَّع لعلاقات الإنتاج الرأسماليَّة إلى الأصل المكبوت للرأسماليَّة: كل فعل عادي لتبادل السلع هو ما تبقى من العنف الأصلي لما يسمى بالتراكم "الأولي'' أو (ursprüngliche) كما سمّاه ماركس، الذي تم من خلاله تطبيق الرأسماليَّة تاريخياً.

هيثم مناع

المقاومة المدنية واللاعنف

تميزت المنظومة العالمية في مراحل التراجع التي نشهدها، بتعدد أنماط العنف الممارس على من تم تصنيفهم على أنهم "أعداء".  وسواء ضم معسكر "الشر" ثقافات وأدياناً، أو كيانات دولانية عملاقة، كان اللجوء إلى العنف، سواء عسكرياً أو اقتصادياً، الوسيلة الأهم للحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه.

معظم أشكال العنف العسكري وقعت بالوكالة، وكان وقودها "مقاتلون بلا حدود"، خيّل لهم أن تفجير سفارة أو خطف صحافي يمكن أن يهز هذه المنظومة.  وفي الأثناء تصاعد العنف الاقتصادي عبر صيرورة "العقوبات المتعددة الأطراف" كسياسة رسمية للأقوى.  وفي جملة الحالات التي عشناها ونشهدها، كانت "الخسائر الجانبية" كما سمَّتها مادلين أولبرايت، أكبر بكثير من النتائج المتوخاة.

في الحالتين، كان اللجوء إلى العنف من طرف القامع والمقموع، مدمراً للمكونات الأضعف والشعوب المستضعفة.

كيف يمكن جعل اللاعنف والمقاومة المدنية الأسلوب الأممي المشترك للمجتمعات المدنية لمواجهة نقص المناعة الذاتية في دول المحيط والمجتمعات الأضعف أثناء عملية التحول البطيئة في النظام العالمي، التي نشهد إرهاصاتها؟

آدم هنية

رأسمالية الخليج العربي والاقتصاد السياسي العالمي المتغير

تشكل دول مجلس التعاون الخليجي الست (المملكة العربية السعودية، والكويت، والبحرين، والإمارات العربية المتحدة، وعُمان، وقطر) واحدة من أهم مناطق القوة في الشرق الأوسط المعاصر.  منذ بداية الانتفاضات العربية في الأعوام 2010-2011، بدأ الباحثون في التركيز بشكل أكبر على الدور السياسي والعسكري المتنامي لدول مجلس التعاون الخليجي في المنطقة، فضلاً عن خصوصيات الاقتصاد السياسي الخليجي.

يضع هذا العرض دول مجلس التعاون الخليجي في النطاق العالمي الأوسع، مع التركيز، بشكل خاص، على فترة ما بعد الحرب، عندما ظهر النفط (والفوائض الماليَّة المرتبطة به) كقضية أساسية لتوازن القوى العالمية ووظائف الرأسماليَّة الحديثة.  ويتتبع العرض، أيضاً، كيف شكَّلت هذه السمات تطور الدولة في الخليج، التي ترتبط بها فئة قوية من تكتلات الأعمال الخليجيَّة التي أصبحت تهيمن على جميع لحظات التراكم.

بالنظر إلى هذه العلاقة بين الدولة والطبقة، يبحث العرض في التدويل الكبير لرأس المال الخليجي الذي حدث خلال العقدين الماضيين، بالتزامن مع انتشار النيوليبرالية (في كل من الشرق الأوسط والعالم).  سيسأل العرض ما قد يعنيه تدويل رأس المال هذا بالنسبة لمكانة الشرق الأوسط في الديناميكيات المتغيرة للاقتصاد العالمي - مع التركيز بشكل خاص على تصاعد المناوشات بين الصين والولايات المتحدة والانكماش الوشيك في الاقتصاد العالمي.

جلبير الأشقر

بل متى كان عالمنا يبتسم؟

توّجت جائحة كوفيد-19 حقبة تاريخية تميّزت بتراجع كبير في جملة من الإنجازات الاجتماعية والسياسية بلغت ذروتها في الستينيات من القرن المنصرم.  شهد ذلك العقد صعود حركات التحرر الوطني وتجذّرها ونجاحات كبيرة في نزع الاستعمار وصمود الشعب الفيتنامي في وجه العدوان الأمريكي، و"الثورة الثقافية" في الصين، وبوادر أمل في إشاعة الديمقراطية في البلدان التي هيمنت عليها موسكو، وبلوغ أنظمة الرفاهية في البلدان الغربية أوجّها، وبوجه عام عرف العالم خلال ذلك العقد وتائر عالية من النمو الاقتصادي والتطور المجتمعي.

وفي منطقتنا العربية، فقد عرف عقد الستينيات تجذّر الحركة القومية متمحورة حول مصر الناصرية.  وإذ شهد العقد نكبة ثانية في العام 1967، يبقى أن الآمال كانت من القوة بحيث أن الهزيمة العربية أثارت موجة تجذّر شملت المنطقة بأسرها وكانت المقاومة الفلسطينية رأس حربتها.  وقد تتوّجت الحقبة على النطاق العالمي بموجة تجذّر شبابي رمزت إليها سنة 1968 بما شهدته من تحركات في شتى القارات.  كان عالم الستينيات حقاً يبتسم، وكانت الشبيبة فيه متفائلة تتطلع إلى مستقبل مُشرق.

أما زمن كوفيد-19، فيأتي بعد أربعين عاماً من النيوليبرالية شهدت تفكيك الكثير من الإنجازات الاجتماعية التي تحققت في العقود السابقة، وتبدّل موازين القوى العالمية بما أطلق يد الإمبريالية الأمريكية، لاسيما في منطقتنا، واصطحاب بعض التحوّلات الديمقراطية المحدودة بتحوّلات اقتصادية نحو استغلال فاحش ولامساواة متعاظمة مع وتائر نمو متباطئة في معظم البلدان، بما أدّى بدوره إلى موجة جديدة من الارتدادات السلطوية، مع صعود تيارات غارقة في الرجعية من الأصوليات الدينية إلى تيارات أقصى اليمين، وصولاً إلى فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة.

فهل يمكن للجيل الجديد أن يستعيد القدرة على الابتسام والأمل، وبأي شروط؟ وكيف؟

جورج جقمان

العالم العربي ما بعد وباء الكورونا

تكثر التوقعات حول شكل العالم ما بعد وباء الكورونا، وبخاصة أن العالم سيشهد كساداً اقتصادياً كبيراً ومعولماً سيطأ معظم البلدان وإن كان بدرجات مختلفة.  فبينما يرى البعض أن الوباء قسم ظهر العولمة الاقتصادية، يرى آخرون أن هذا سيولد صراعاً كونياً بين قوى محافظة تسعى إلى منع التغيير أو احتوائه، وبين حركات جماهيرية من المتوقع أن تنشأ أو تعود إلى الظهور، كما حصل في أزمة الرهن العقاري في العام 2008، لكنها لن تقتصر على الولايات المتحدة وأوروبا، وستنتشر في دول العالم المختلفة.  ولن يكون العالم العربي بمنأى عن هذا الصراع الذي كان أصلاً قد بدأ في نهاية العام 2010 مع ثورة تونس، ثم مصر في 25 يناير 2011.  وقد كان العالم العربي جاهزاً لمثل هذا الانفجار من قبل كما بينت تقارير عدة تتعلق بالفقر والبطالة المزمنة بين الشباب خاصة، وفساد الأنظمة والسلطوية السياسية من بين أمور أخرى.  وسيشهد العالم العربي، الآن بسبب الإفقار والإملاق الإضافيين، عودة لمرحلة ثالثة من الانتفاضات والثورات سيجري فيها الاصطفاف بين الدول العربية التي تقود الثورة المضادة منذ العام 2011، والآن بدعم من إسرائيل خاصة وبتحالفها مع الثورة المضادة، بسبب إدراكها "لخطر" التغيير عليها، وفي الجانب الآخر ستكون القوى التي ستناضل من أجل التغيير.  وسيعتمد النجاح في التغيير على توفر ثلاثة شروط أساسية سيكون لها القول الفصل في نتائج الصراع.