You are here

عقد حلقة نقاش بعنوان "تقييم الظرف الذي تمت فيه الدعوة إلى الانتخابات العامة وأثر الدعوة إلى الانتخابات على المشروع الوطني"

Primary tabs

21 آذار/مارس 2021

عقد معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الإنسان – جامعة بيرزيت، يوم الأحد 21 آذار/مارس2021، عبر الفضاء الافتراضي، لقاءً لنقاش "تقييم الظرف الذي تمت فيه الدعوة إلى الانتخابات العامة وأثر الدعوة إلى الانتخابات على المشروع الوطني".

إذ وضع معهد مواطن تصوره لأفضل المقاربات أو السناريوهات التي من شأنها تحقيق تقدم على المسار التحرري للشعب الفلسطيني، من خلال تجيير العملية الانتخابية إلى أداة لمعالجة ما يمكن معالجته من الأزمات التي تمر فيها القضية الفلسطينية، وزيادة فرص التقدم في المشروع الوطني التحرري، راجياً أن يشكل هذ التقييم مساهمة في تعزيز الحوار المجتمعي حول الانتخابات المزمعة وتحفيز المقاربات الناقدة والبناءة للحياة السياسية الفلسطينية.

وقد نشر معهد مواطن، في وقت سابق، ورقة تقييم الظرف الراهن، الذي أعده فريق المعهد على افتراض أولوية تعزيز بيئة للعمل الفلسطيني المشترك دون المحاولة لقولبة المجتمع الفلسطيني في قالب واحد، وضمان أن تدار الاختلافات والخلافات على الجبهة الفلسطينية بشكل لا يجعل منها صراعاً يثبط الجهود الموجهة نحو الصراع الرئيسي مع الاحتلال.

بدأت اللقاء الباحثة في معهد مواطن، دانا فرّاج، بتقديم ملخص واستعراض لورقة تقييم الظرف، والتي حملت تحليلاً سياسياً لظرف الانتخابات الراهن الذي قد يحمل النجاح والفشل. الفشل من خلال إلغاء الانتخابات أو تأجيلها لأجل غير مسمى، أو إعادة الشرعية لهيمنة أحزاب السلطة على المؤسسات الحكومية وعلى القرار الفلسطيني دون تأثير الفواعل الجديدة. أما النجاح، فهو من خلال وضع ضوابط تشكل أساساً لتحقيق عدد من المواصفات.

ثم قدّم الدكتور مضر قسيس، مدير المعهد، مداخلة كشف فيها عن بعض التصورات النظرية عن ماهية الخلفية التي شكلت مدخلاً للتفكير في تقييم الظرف الخاص بالانتخابات كلها كمنظومة. وطرح بعض التساؤلات في هذا السياق؛ ما هي الديمقراطية الآن، في ظل غياب سيادة قومية، ولزوم وجود سيادة وطنية أو شعبية لا تغيب بوجود احتلال أو غيره من أنماط الهيمنة التي تسعى إلى قمع هذه السيادة والإطاحة بها؟ وعندما نتحدث عن الديمقراطية في السياق الفلسطيني، فإننا نبحث عن آلية لصنع القرار بشأن القضايا التي تعبر عن السيادة الوطنية (ليس القومية)، إذن ما هي أهداف وأدوات وأشكال النضال التحرري والتخلص من الاحتلال؟ وكيفية إدارة الحياة اليومية في أثناء عملية التحرر الوطني؟ ويُفترض أن تساهم الانتخابات مساهمة كبيرة في توفير إجابة على التساؤل الأخير.

وتساءل د. مضر قسيس في معرض حديثه، عن ما هي الانتخابات وماذا تعطينا؟ إذ في اعتقاده إذا كان هناك اختلاف على المشروع الوطني التحرري، واختلاف على إدارة الحياة اليومية، فإن شرط التمثيل في السيادة الوطنية هو وجود مشروعين؛ الأول تحرري والثاني على مستوى الحياة اليومية، بحيث يكونا منسجمين قابلين للتعايش. وتكمن المشكلة، من وجهة نظره، في تشكّل المشروع الوطني واكتشاف القواسم المشتركة، ويرى أن المشكلة الكبرى التي تشكل عائقاً أمام تشكل المشروع الوطني هي احتكار السياسة؛ بمعنى احتكار للفعل السياسي وليس فقط السلطة، والتي تعني بالضرورة تغييب السيادة الوطنية، وتغييب قدرة الشعب أن يعلن عن مطالبه. إذ إن الانتخابات بمثابة إعلان للنخب السياسية أن صلاحية التمثيل ليست دائمة وبحاجة إلى مراجعة، وهناك جمهور وصل إلى حالة يأس من الواقع الحالي، وبحاجة إلى آلية لإعادة ترتيب أوراقنا الاجتماعية. 

استكمَلَ الدكتور باسم الزبيدي، عضو الهيئة الأكاديمية في الجامعة وأحد المشاركين في صياغة تقييم الظرف، تقديم إضاءات سريعة حول بعض الهواجس التي شغلتهم عند كتابة الورقة. إذ كان الهاجس الأول يكمن في أن مآلات المشروع الوطني ككل مقلقة جداً، والهاجس الآخر هو موقع مسألة الانتخابات أو حتى الديمقراطية بشكل عام، من هذا التصور، الأمر الذي ينتج تساؤل حول العلاقة ما بين التحرر والمشروع الوطني في السياق الاستعماري.

في هذا السياق، أكد د. باسم الزبيدي على ضرورة وأهمية وجود إصلاح عام للحالة الوطنية، إذ لا يوجد مجال في حياة الفلسطينيين، وهناك حالة ضعف ودرب مجهول، ومشروع الإصلاح الوطني العام لن يتحقق بإنتاج الديمقراطية، ليس لأنها سيئة، بل لأنها ليست الجواب الوحيد لاستنهاض المشروع الوطني. نعم، الديمقراطية تعني الانصياع لما يريده الناس، ولنسميها الإرادة العامة الفلسطينية، ولكن كيف يمكن ترجمة ذلك؟ هنا تبرز الإشكاليات، فالانتخابات فعل مهم، ولكن غير كافٍ حتى لو كانت حرة ونزيهة ودورية، إذ تبقى هناك حاجة لأدوات وإجراءات لضبط الديمقراطية ذاتها. وهذا الضابط هو صِيَغ متنوعة من مشاركة الناس وضمان تأثيرهم على الحيز العام بدءاً من التمهيد لاتخاذ القرارات، ومروراً بتطبيق مآلات ومقتضيات هذه القرارات، وانتهاءً بإعطاء تقييم ما يترتب على ذلك من نتائج.

وأشار إلى أن الديمقراطية يُفترض أن تكون عاملة في كل تلك المراحل، ولا يتم فقط اختزالها بالانتخابات، فالانتخابات لا تعالج مجمل مكامن الخلل. وهناك ادّعاء آخر، أنه من غير الانتخابات يستمر التآكل، وبالتالي تتعاظم الآثار السلبية وهذا موضوع مهم، فإن أفضل وقت للانتخابات عندما يكون هناك صراع وتباين، ولأن الحالة الفلسطينية هي حالة صراع، يصبح إدخال مُكوّن الانتخابات ضرورة أخلاقية وسياسية لتمثيل من يريده الناس.   

قدم الدكتور جورج جقمان، عضو الهيئة الأكاديمية في الجامعة وأحد المشاركين في صياغة تقييم الظرف، المداخلة الأخيرة، التي وصف فيها تقييم الظرف، بأنه مسعى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من النظام السياسي الفلسطيني بعد أن تفتت واهترأ. إذ لم يعد المجلس الوطني وطنياً ممثلاً، ولا وجود فعلي وفاعل للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، فقد جرى في الواقع، استحداث إطار آخر اسمه القيادة الفلسطينية، الذي لا يوجد مستند قانوني لوجوده، ولا يعرف أحد عدد أعضاءه الذين يتغيرون ويتبدلون بين الحين والآخر.

وبهذا المعنى فإن ما يقترحه التقييم هو مسعى محافظ غير ثوري كما يقول النص، خشية الإطاحة بما تبقى. أما المقترحات، فهي واقعية بمعنى أنه يمكن فعلاً تنفيذها من ناحية المبدأ، ولكنها أيضاً، في نفس الوقت، من ناحية عملية يمكن أن يتم رفضها.

وأكد د. جورج جقمان على ضرورة إجراء الانتخابات، إذ ينبغي أن تتم سواء اتفقت الفصائل في القاهرة أم لم تتفق، إذ انحدر النظام السياسي ليصبح نظاماً استبدادياً الذي يحكمه الرئيس مع مجموعة من المستشارين غير المنتخبين، الذين يسعون، كما يبدو، لإحكام القبضة الداخلية على أي حراك أو صوت مسائِل أو ناقد. الأمر الذي يجعل من موضوع الإصلاح أمراً مُلحّاً، ابتداءً من مجلس نيابي يعيد النظر بكافة التشريعات التي أُقرّت بقانون، وليس آخراً، مجلس يحاسب ويسائل السلطة التنفيذية.

بالرغم من هذا الواقع، يتساءل د. جورج جقمان، ماذا لو تم إجراء انتخابات حرة ونزيهة تعكس التعددية الموجودة في المجتمع الفلسطيني، بما في ذلك الموجودة في حركة فتح نفسها، أي التعددية غير الممثلة في اللجنة المركزية؟ ماذا لو أجريت انتخابات غير مبنية على تقاسم الحصص، ماذا ستكون النتيجة؟ ستكون النتيجة مجلس نيابي جديد تحت الاحتلال. والواقع أن السلطة الفلسطينية تتصرف وكأن المشروع الوطني هو الحكم الذاتي في معازل في ظل السيادة الإسرائيلية، وأنه مشروع للترابح الشخصي أيضاً، هذا هو المشروع الوطني بحكم الواقع defacto؛ بلدية كبرى لإدارة شؤون السكان الفلسطينيين في الضفة والقطاع. إذ لا يوجد أي تصور حول المستقبل، وما نحن فاعلين وما يمكن أن يكون المشروع الوطني المتجدد، وكيف يمكن أن يبدأ؟ وبينما الصورة واضحة لآخرين، لكنها ليست لنا.

إن السؤال العملي المتعلق بمجمل الأمور يبقى؛ أين تكمن نقطة البداية؟ لا شك أن الإصلاح الداخلي يشكل مدخلاً هاماً للخروج من هذه الحالة، لكن لن يأتي الإصلاح من الخارج. مثلاً ممكن أن تكون نقطة البداية، هي الاحتجاج الفعال على شروط الترشح للمجلس التشريعي، المعدلة كما هو معروف، من ناحية العمر والمبلغ المطلوب للتسجيل.

في نهاية مداخلته، تساءل د. جورج جقمان، كيف يمكن لمقاطعة الانتخابات أن تكون عملاً بنّاءً، بينما هي عمل سهل ومريح وميسّر عن السياسة العملية، يستكين له البعض على ما يبدو؟ وكيف يمكن أن يكون اليأس مشروعاً لمن ما زال المستقبل أمامه وليس وراءه؟

وتلا المداخلات حوار مع المشاركين، فقد عقب الدكتور أنيس قاسم، الخبير في القانون الدولي وعضو مجلس أمناء جامعة بيرزيت، على ما ورد في تقييم الظرف؛ وأشار إلى عبارة "إعادة الزخم للمشروع الوطني"، وقال أنه لا يوجد أي مثال على إحياء الزخم الوطني بسبب الانتخابات، فقد خاض الشعب الفلسطيني تجربة الانتخابات مرتين في 1996 وفي 2006 بدون إعادة الزخم إلى المشروع الوطني.، لذلك يتساءل هل أعيد الزخم للمشروع الوطني أم أن الاستبداد الإسرائيلي زاد على شعبنا وعلى أرضنا؟ إذ من وجهة نظره، في المرتين. وأشار د. أنيس قاسم إلى المرسوم الرئاسي الذي صدر بشأن إجراء الانتخابات، وتحديداً الرئاسية، في تموز/يوليو القادم، ستنتخب ليس رئيساً للسلطة الفلسطينية وإنما رئيساً لدولة فلسطين، أي أن الرئيس القادم سيتحدث باسمي أنا القاطن في الشتات، وسيتنازل أو يفاوض على حقوقي في فلسطين وأنا لم أنتخبه، وهذه بداية التقسيم المادي لشعب فلسطيني في الخارج وشعب فلسطيني في الداخل له رئيس. الرئيس المنتخب القادم، هو رئيس لثلث الشعب الفلسطيني وليس لكل الشعب الفلسطيني، لأنه لا يُنتخب من الخارج ولا يُنتحب من فلسطينيي 48، إذن هو سيتصرف بممتلكات وحقوق كل الشعب الفلسطيني وهو غير منتخب منهم.

أما الدكتور خالد الحروب، عضو الهيئة الأكاديمية في جامعة نورث وسترن – قطر، فقد وصف تقييم الظرف بالمقاربة المحافظة والدقيقة، التي حاولت أن تلتقط الموجود وتبتعد عن التمنيات. وطرح ثلاث نقاط: النقطة الأولى نظرية، وهي مسألة احتكار السياسة التي ذكرها د. مضر، إذ إننا أمام عمليتين، الأولى احتكار السياسة من السلطة في رام الله من جهة، واحتكار للمقاومة من قبل سلطة غزة من جهة أخرى. إن المقاومة أصبحت صعبة على الناس، فالناس العاديين الذين كانوا يخرجون في الانتفاضات رجعوا إلى بيوتهم، والشوارع قد فرغت من السياسة الشعبية، لأنها محصورة في المقاطعة في رام الله، فضلاً عن الفساد وأوسلو التي أحبطت الناس ودفعتهم خارج حلبة السياسة، بالإضافة إلى خصخصة المقاومة وخصخصة السياسة. والخلاصة، أن الشعب الفلسطيني خرج من المعادلة في ربع القرن الماضي، فعندما تخرج الكتلة الأكبر يصبح هناك فراغ وخواء سياسي للطاقات التي يمكن أن تضيف شيء جديد، وهذا الجفاف السياسي وجفاف المقاومة سببه تغييب الشعب.

والنقطة الثانية، هي الانتخابات في الوقت الحالي، فإما أن تكون مخاطرة حقيقية تثبّت الشرعيات القائمة حالياً، وإن كانت الشرعيات ذاتها عليها علامات استفهام في المكانين (الضفة والقطاع)، فالقائمون على الحكم يشعرون أن هناك ضغط أخلاقي، أو سياسي شعبي أو أيٍ كان، بأنه لا بد من تجديد هذه الشرعيات، أو قد تخلق فرصاً أخرى ليست في حسبان المُخطِط لها، مثل إعادة الناس، ولو تدريجياً، إلى ساحة الفعل الوطني، فلا نستطيع محاربة الاحتلال الإسرائيلي والمضي قُدماً في المشروع الوطني دون إشراك الناس.

أما النقطة الأخيرة، فهي حول القائمة المشتركة بين حماس وفتح، إذ إن الكل يهاجمها، وهي تستحق المهاجمة والنقد، ويشير د. خالد الحروب، إلى أنه إذا انطلقنا من منطق تقييم الظرف وهو الحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه وعدم تدمير ما تبقّى، يمكن أن يكون هناك منطق، وإن كان منطق الخسران، لكنه منطق ما بين السيء والأسوأ، لأنه أمامنا هذين التنظيمين القويين، كل واحد منهما لديه الشرعيات الخاصة به، وبرغم كل السوء والفساد استطاعوا إثبات وجودهم في الشارع. بينما رد المجتمع المدني والحراك الشبابي غير موجود، إذ لم ينشأ لدينا تيار ثالث بعد ربع قرن من فشل أوسلو، لا شبابي ولا مجتمع مدني، فقد فشلنا في خلق تيار ثالث. رضينا أم أبينا هذين التيارين السياسيين موجودين، لذلك، تتولد التساؤلات: كيف يمكن إصلاح ما يمكن إصلاحه ضمن هذين التيارين؟ وهل القائمة المشتركة، على الأقل، سوف تنهي العملية التي استنزفتنا من عام 2007، أي من لحظة الانقسام إلى الآن؟ ولا يوجد إجابات محددة، إذ ربما بعد الاتفاق، يصبح هناك فراغ معين، أو ربما رؤية أوضح للنظام القائم.

وتعددت آراء المشاركين حول الانتخابات العامة وفق تعديلات الرئيس، إذ هناك من أشار إلى أنه قد تم هندستها على نظام الإقصاء للشباب والنساء والحراكات والقوى الأخرى في المنظمة، من حيث عدم التجاوب مع مطالب الحراكات الشبابية والاجتماعية بتحديد سن الترشح لـ 23 عام، وكذلك مسألة الاستقالة من الوظيفة وقبولها، وارتفاع الرسوم، فهذا التوجه في تعديلات القانون إنما جاء تعزيزاً لمنهج التفرد، ويشكل اعتداءً على دور المجتمع والفعل الشعبي في الحيز العام.

وأنهى الدكتور مضر قسيس، اللقاء بالتأكيد على الحاجة لخلق منظومة تستطيع تحقيق التوازن بين التناقضات الموجودة على الساحة الفلسطينية، وأكد بأن الانتخابات لا تحل المشكلة ولكنها نموذج لإدارة بعض المشاكل، إذ إن الشعب لديه أداتين رئيسيتين، الأولى الاقتراع والثانية الاحتجاج، وهذا هو التوازن الذي يجب أن يُطبق، والمعضلة هي كيف يمكننا مجابهة احتكار السلطة بدون أن تكون لصالح العدو؟ إذ يجب أن يكون مشروعنا الوطني هو تعبير عن إرادتنا، وليس تعبير عن غضبنا حول ما الذي حصل، فعل من أجل المستقبل بدل من ردود أفعال على أحداث قد حصلت.

 

 

المرفقات: