عد قرنين من ولادته يعتبر كارل ماركس من أكثر المفكرين تأثيراً، حيث شكّل فكره أرضية خصبه تم الانطلاق منها في عمليات إعادة تشكيل متوالية للحقول المعرفية في العلوم الاجتماعية والعلاقات الإنسانية عموماً، كما وساهم فكره في إلهام حركات تحررية مختلفة حول العالم سعت وتسعى من أجل بناء غد أفضل. ليس من الغريب عودة أفكار ماركس إلى الواجهة كلما دخلت الرأسمالية في أزمة، فالرأسمالية -وخصوصا في شكلها الراهن- لم تحقق الرخاء الموعود وغمست العالم في أزمة تلو الأخرى.
فاليوم هناك تراجع واضح في دور الدولة على صعيد حماية الناس، وانتكاسات رجعية في القانون الدولي والسياسة الدولية، وانتشار الصراعات الهوياتية والتطرف اليميني والعمل الإرهابي، وصعود كبير في الخصخصة والتسليع حتى باتت أساسيات الحياة، بل الحياة ذاتها، رهينة لحسابات الربح والخسارة. وبات من الضروري إلقاء نظرة بعيون عصرية على النقد الماركسي ومراجعة أسسه الفكرية والنظرية لاستلهام أرضية صالحة لبناء مستقبل أفضل من ذلك الذي يبدو متاحا اليوم.
في هذا السياق، يدعوكم معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الإنسان إلى المشاركة في يومين دراسيين بعنوان "ماركس والمستقبل"، بهدف استعراض بعض من جوانب فكر ماركس وأشكال من الفكر والممارسة التي تطورت على أرضيته، في مجالات قراءة وكتابة حركة التاريخ، وقضايا الصراع الطبقي، والاستعمار، والتحرر، والاقتصاد، والفلسفة، وغيرها من قضايا راهنة.
دعوة إلى تقديم ملخصات أوراق
لليوم الدراسي: ماركس والمستقبل
المزمع عقده يوم السبت 12 أيار / مايو 2018
يصادف هذه السنة مرور قرنين على مولد كارل ماركس أكثر المثقفين تأثيرا في العصر الحديث، والذي تعد كتاباته، وأفكاره، الأوسع انتشارا، والأكثر أثرا في أنحاء العالم.
ويعلو صدى فكر ماركس كلما مرت الرأسمالية بأزمة، ونسمع الاصوات القائلة بضرورة إعادة قراءته، أو إعادة اكتشافه، كما حصل بعد الأزمة الاقتصادية التي بدأت في الولايات المتحدة في عام 2008 وانتشرت إلى أرجاء مختلفة من العالم. وكلما تغوّل السوق، وزاد انتشار عملية التسليع، وتعززت صنمية السلع، تمسي الحاجة إلى النقد الماركسي أكثر إلحاحا.
لقد شكل فكر ماركس، ورفيقه إنجلز، والمدارس الفكرية التي انبثقت عن تراثهما الفكري، عناصر رئيسية في تشكّل وإعادة تشكّل الحقول المعرفية في العلوم الاجتماعية والإنسانيات، وفي قراءتنا لذواتنا والمجتمع والبيئة، وفي قراءة العلاقات الإنسانية عموما. كما أن هذا الاتجاه الفكري شكل مرتكزا للكثير من الحركات السياسية، ولعب دورا مركزيا في نشوء وتطور الحركات التحررية.
إن مكانة ماركس الفكرية في القرن العشرين تتعدى الماركسية بأنواعها، أخذاً بعين الاعتبار دخول الكثير أفكاره، وتوجهه في النظر إلى المجتمع، وفي تحليل التغيير الاجتماعي والسياسي والفكري إلى العلوم الاجتماعية بشكل عام. وقد يصعب أحياناً تحديد أثر ماركس بشكل عيني ودقيق في حقول مثل علم النفس، وعلم الاجتماع، والتاريخ، وعلم الإنسان، والعلوم السياسية. ولكنه يصعب أيضاً تصور هذه العلوم كما هي الآن دون ماركس.
لقد شهدت المرحلة اللاحقة لبروز العالم أحادي القطب، ولهيمنة الاتجاه النيوليبرالي، وتوغل الاستعمار الجديد في العالم، ونشوء نظريات جديدة من مثل "صراع الحضارات" و"نهاية التاريخ"، تراجعا للاهتمام بكتابات ماركس، ولكن فكر ماركس ما لبث وعاد إلى الواجهة بسبب أزمات النظام الرأسمالي، وبسبب خيبات الأمل من عدم تحقق الرخاء الموعود الذي بشّر به النظام الرأسمالي في شكله النيوليبرالي.
كما أن غياب العنصر الحماسي (العاطفي) للجماهير التي تبنت الماركسية، وتقهقر الأيديولوجيا السوفيتية التي مارست شكلا من أشكال احتكار الماركسية والوصاية عليها، وتراجع "موضة الماركسية"، كلها أدت إلى تمكين الباحثين من "العودة" إلى ماركس بعد التخلص من الصنمية التي لازمت الكثيرين من أتباعه في المرحلة السابقة لانهيار المعسكر الاشتراكي.
وفي خضم هذه التطورات والصراعات ازدهرت واشتهرت مدارس فكرية، انطلقت في كثير من الأحيان من شكل من أشكال نقد الماركسية، أو إعادة صياغتها، مثل الدراسات النقدية، ودراسات التابع، ودراسات ما بعد الاستعمار، وغيرها.
أما اليوم، وفي الوقت التي يتسم فيه العالم بحالة من الضياع، وغياب الأفق، والقلق، والهيمنة غير المسبوقة للنمط الاستهلاكي، وتراجع دور الدولة في حماية المواطنين، والنمو منقطع النظير للممارسات الإرهابية لحركات متطرفة وجيوش مأجورة، واستفحال النعرات الهوياتية من مثل الإثنية والطائفية والقبلية والجهوية؛ وتراجع المشاريع التحررية، ومشاريع السيادة الوطنية، والتحولات الرجعية في القانون الدولي، والسياسة الدولية، بات من الضروري مراجعة الأسس الفكرية والنظرية لاستلهام أرضية صالحة لبناء مستقبل أفضل من ذلك الذي يبدو متاحا اليوم.
في هذا السياق، يعقد معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الإنسان يوما دراسيا عن ماركس، بهدف استعراض بعضا من جوانب فكره المتعلق بقراءة التاريخ وحركته، وإعادة طَرق قضايا الصراع الطبقي، والتحرر، ومنهجية دراسة الظواهر الاجتماعية، وغير ذلك من قضايا ضرورية لإغناء الإنتاج المعرفي التحرري. كما يهدف هذا اليوم الدراسي إلى تعريض المجتمع الفلسطيني إلى نقاش نقدي حول ماركس بعد نشوء جيل من الشباب بعيدا عن هذا النقاش، وذلك لإثراء الفكر والتعددية.
سيتطرق المشاركون في هذا اليوم الدراسي إلى عدة محاور من مثل:
- النقد الماركسي للاقتصاد السياسي وموقعه في فهم ومجابهة العولمة النيوليبرالية؟
- ماركس والماركسية وتحليل التوجهات الشعبوية، والثقافوية، والهوياتية، السائدة.
- الثورة والتغيير الثوري في ظل سيطرة المفاهيم الليبرالية.
- النضال من اجل العدالة الاجتماعية وآفاق الرؤية الماركسية في المستقبل المنظور.
- قضايا النوع الاجتماعي والعرق والتحليل الماركسي.
- قضايا القومية والأصلانية والتحليل الماركسي.
- ماركس ومفاهيم حقوق الإنسان.
- ماركس والديمقراطية ودكتاتورية البروليتاريا.
- الإنتاج الفني والثقافي: قراءة ماركسية.
- الماركسية والماركسيين في وعن فلسطين والعالم العربي.
- نماذج مختلفة لاستلهام ماركس في العولمة الرأسمالية، والهيمنة (آسيا، أمريكا اللاتينية، أفريقيا).
تقدم الملخصات (في حدود 250 كلمة) قبل يوم الإثنين 2 نيسان / ابريل 2018، وترسل إلى العنوان البريدي (muwatin@birzeit.edu) مع الإشارة في الموضوع إلى (Marx Symposium).
سيتشكل اليوم الدراسي من عدد من المداخلات ضمن مجموعة محاور مدتها 15 - 20 دقيقة، ويؤمل أن يكون النقاش في هذا اليوم الدراسي غنيا