يتناول مؤتمر مواطن الرابع والعشرون مآل حقوق الإنسان بعد سبعة عقود على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ويسعى المؤتمر إلى التوقف عند الإعلان وتداعياته، وأثره، والإنجازات والإخفاقات المرتبطة به، ومستقبله، ومسؤولياتنا المتعلقة بذلك. فبالرغم من المحطات الهامة التي نتجت جزئيا عنه فيما يتعلق بمشاريع إنهاء الاستعمار، واستقلال دول الجنوب، إلا أنه اتسم بالشوائب التي شكلت السمة العامة للمواثيق والمعاهدات الدولية التي تأسست في الحقبة الاستعمارية. إن غياب التقدم على صعيد مكافحة الفقر، والفاقة، ومشاكل البيئة، والحروب، وغير ذلك من مظاهر غياب المساواة، وغياب الحماية للحق في الحياة، وهدر الكرامة الإنسانية، رغم المحاولات الحثيثة لإيجاد السبل للارتقاء بحماية حقوق الإنسان، تشير إلى محدودية نجاح هذه المحاولات (على الأقل منذ ثلاثة عقود)، كما وتشير إلى تراجع فرص تحققها في ظل النظام النيوليبرالي السائد. سيناقش المؤتمر بمشاركة دولية ووطنية واسعة قضايا متعلقة بمفهوم حقوق الإنسان، وتحولاته، وتطبيقاته، ودوره، ومكانته في سياق مشروع التحرر الوطني الفلسطيني، ومستقبله. يشارك في المؤتمر أساتذة وباحثون وخبراء وناشطون من أنحاء العالم، يراجعون منظومة حماية حقوق الإنسان الوطنية والعالمية، ويبحثون آفاق هذه المنظومة، ودورها في المشروع الوطني، وفي مستقبل أفضل للعالم مع تركيز خاص على الوضع في فلسطين. كما توجد نشاطات مرافقة للمؤتمر بينها معرض للصور حول التلوث البيئي في فلسطين، وكشك لمجموعة الحق في الدخول، ومعرض لبعض منشورات مواطن. ينعقد المؤتمر يومي الجمعة والسبت، 5 و 6 تشرين الأول / أكتوبر 2018 في قاعة المؤتمرات (243) في معهد مواطن الكائن في مبنى ملحق معهد الحقوق في حرم جامعة بيرزيت، وتتوفر فيه ترجمة فورية.
ورقة المفهوم
مؤتمر مواطن السنوي الرابع والعشرون
"سبعة عقود على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: ماضي ومستقبل حقوق الإنسان وفلسطين"
الجمعة والسبت، 5 و 6 تشرين الأول / أكتوبر 2018
في الذكرى السبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي ظل استمرار الخروقات الصارخة لما نص عليه الإعلان على المستويين العالمي والمحلي، يجدر التوقف عند الإعلان وتداعياته، وأثره، والإنجازات والإخفاقات المرتبطة به، ومستقبله، ومسؤولياتنا المتعلقة بذلك.
يستوجب التذكير بأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان شكل خطوة غير مسبوقة ومفصلية في إقرار مجموعة من المبادئ التي تعترف بالمساواة بين الناس، وبكرامتهم، وتسعى إلى إرساء الحرية، والعدالة، وتنص على حماية المقومات الضرورية لتحقيق ذلك، وترسي المعايير التي شكلت حجر الأساس لعمل حركة عالمية واسعة لحماية حقوق الإنسان، وصون كرامة الناس، والدفاع عن حرياتهم، وعن الحفاظ على مقومات حياتهم. كما أن الإعلان شكل دافعا وأساسا لنضالات تحررية عديدة سواء تلك المتعلقة بالحق في تقرير المصير، أو بحقوق النساء، أو الأقليات، أو العمال، أو سجناء الرأي والضمير، وغير ذلك من المضطهدين. كما أنه لعب دورا مركزيا في عدد من التشكلات الهامة في حقبة الحرب الباردة مثل مؤتمر باندونج (1955)، وتشكل حركة عدم الانحياز (1961)، ومؤتمر طهران (1968)، وكلها محطات هامة في عملية تقدم مشاريع إنهاء الاستعمار، واستقلال دول الجنوب (ما عرف في حينه بدول العالم الثالث).
وعلى الرغم من ذلك، فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان اتسم بالشوائب التي شكلت سمة المواثيق والمعاهدات الدولية التي تأسست في الحقبة الاستعمارية. فهو إعلان صيغ وفقا لتصورات طغت عليها المواصفات التي شكلتها التفاهمات بين القوى الكبرى في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وكان عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة يوم التصويت عليه ثمانية وخمسين، ما يعني أن هناك ما يزيد عن ضعف هذا العدد من الدول الأعضاء اليوم في الأمم المتحدة التي لم تشارك في نقاشه أو صياغته (ناهيك عن الدول غير الأعضاء، مثل فلسطين). وهو يستخدم مفاهيم عصر الاستعمار (التي يطغى عليها الطابع الحداثي - على الأقل إلى تلك الدرجة التي يشكل فيها هذا الإعلان مشروعا "تنويريا") مثل "العالمية"، و"الرقي الاجتماعي"، و"القومية"، و"الشخصية القانونية"، و"المحاكم الوطنية"، و"الحقوق التي يمنحها الدستور"، و"الانتخابات"، و"المجتمع الديمقراطي". ولا شك أن هذه التصورات تنبع من سياق حداثي لا يمثل سكان كوكب الأرض كافة؛ وأنها تعكس افتراضا ضمنيا بضرورة "ارتقاء" كل الناس إلى العيش ضمن نموذج الدولة القومية والمنظومة القيمية المرافقة لها. كما اتسمت لغة الإعلان بالفردانية التي تميزت بها الأيديولوجية الليبرالية، وهي، وإن أتت في الحدود المتصورة ضمن مساحة التقاطع البشري العام وتوازنات القوى في مرحلة صوغ الإعلان، إلا أنها تفترض صلاحية البنى والقيم الحداثية للعالم كله. وبعبارة استخدمها الباحث تريغو (2017)، جاءت هذه الوثيقة لتعلن أنه توجد "لدى دول العالم الثالث حقوق إنسان تقررها دول العالم الأول."
وقد اضطرت دول العالم الثالث، رغم تشكلها في حقبة ما بعد الاستعمار (أو حقبة الاستعمار الجديد)، ورغم تبنيها لمنظومة القانون الدولي، واحتمائها به، سواء لأسباب متعلقة بالتبعية الاستعمارية، أو لغيرها، ورغم التباينات الكبيرة في توجهاتها السياسية والأيديولوجية، واصطفافاتها المختلفة والمتفاوتة مع قطبي الحرب الباردة، اضطرت، مع العديد من حركات التحرر التي لم تشكل دولها بعد، أن تخوض نضالات طويلة من أجل إضفاء "عالمية حقيقية" على فحوى الإعلان العالمي، ومعانيه، وتجييره لصالح تحقيق الحرية، واستكمال عمليات إنهاء الاستعمار. فعملت لعقود على تطوير وشحذ بعض المبادئ الواردة فيه باتجاه ترسيخ حق الشعوب في تقرير المصير، والحق في مقاومة الاستعمار، وإقرانها بمبادئ أخرى في القانون الدولي من مثل السيادة، والتكافؤ بين الدول، والتنمية الاقتصادية، وغير ذلك. وجاء كل ذلك بشكل أساسي تحت مظلة مشاريع مقاومة وإنهاء الاستعمار.
وقد ساهمت هذه الجهود، والقوة الناشئة من التحالفات المعادية للاستعمار، وعلى رأسها حركة عدم الانحياز، في إبقاء القضية الفلسطينية، مشروعا تحرريا حيا، يحظى بدعم ومساندة من غالبية دول العالم وشعوبها، سواء دبلوماسيا، أو، سياسيا، أو عسكريا. وأنشأت أرضية لاستمرار الأمل الذي شكل قاعدة هامة لصمود الشعب الفلسطيني ما يزال وقعه يشكل أحد أهم الدعائم المساندة لحقوقه ولإحقاقها.
ومع التحولات التي حصلت قبيل العقد الأخير من القرن العشرين، وانهيار المعسكر الاشتراكي، ونشوء العالم أحادي القطب، وازدهار الإرهاب الدولي، وتراجع دور حركة عدم الانحياز ودولها، ودخول العالم في حقبة النظام العالمي الجديد، بات عسيرا خوض معارك "إضفاء العالمية على المفاهيم العالمية" وتطوير الحقوق بما يوائم مصالح شعوب دول الجنوب. لقد توقفت هذه المعارك فعليا واستبدلت بأنماط جديدة للعمل تدعي السعي إلى التحول إلى قرية عالمية "ما بعد حداثية".
لقد نشأت آليات جديدة لتنظيم عمليات تطوير معاني وتفسيرات وتطبيقات المبادئ التي نص عليها الإعلان العالمي وغيرها من مبادئ القانون الدولي، واتسمت الآليات الجديدة بالابتعاد عن ممارسات السيادة القومية، وأضحت معبرة عن هيمنة نظام القطب الواحد على العلاقات الدولية وما ينجم عنها من مواثيق، إلى درجة تم فيها التخلي، في أحيان كثيرة، عن مفاهيم الإجماع الأممي والقانون الدولي، واستبدالها بمفاهيم جديدة تعبر عنها مصطلحات من قبيل "إرادة المجتمع الدولي"، والتي تعكس في كثير من الأحيان القبول بتحويل النظام العالمي إلى ما يشبه شريعة الغاب حيث تُنشئ القوة شرعية أو حقا! فيقول تشومسكي (2009) وآخرون أن إرادة المجتمع الدولي هي إرادة الولايات المتحدة، وحلفائها، والدول التابعة لها، ووسائل الإعلام التي تعبر عنهم!
وفي حقبة العولمة النيوليبرالية باتت الاعتداءات على حقوق الإنسان أشد وأوسع، وباتت سبل الدفاع عنها أصعب وأبعد منالا، حيث تركت الدول (أو أجبرت على ترك) دور حماية مواطنيها الذي لعبته تقليديا، وتركت تنظيم أمور العيش للقطاع الخاص، الذي باتت شركاته العابرة للحدود تتمتع بالوصاية على حقوق الناس، بعد استبدال دور الدول، جزئيا على الأقل، بترتيبات من قبيل "المسؤولية الاجتماعية للشركات". ورغم المحاولات الحثيثة لإيجاد السبل للارتقاء بحماية حقوق الإنسان، إلا أن غياب التقدم على صعيد مكافحة الفقر، والفاقة، ومشاكل البيئة، والحروب، وغير ذلك من مظاهر غياب المساواة، وغياب الحماية للحق في الحياة، وهدر الكرامة الإنسانية، تشير إلى محدودية نجاح هذه المحاولات (على الأقل منذ ثلاثة عقود)، كما وتشير إلى تراجع فرص تحققها في ظل النظام النيوليبرالي السائد.
وعلى الصعيد الفلسطيني، شهدت تطبيقات القانون الدولي، ومعايير حقوق الإنسان المستخدمة في وصف عملية التحرر الوطني تحولات كثيرة شملت توجهات تصف أفعال مقاومة مشروعة حسب القانون الدولي على أنها إرهاب، وبات حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير مشروطا (في الخطاب الدارج في مختلف المحافل، بما فيها الأمم المتحدة) بموافقة الدولة المحتلة، وتحولت واجبات الدول (بمن فيها الأطراف السامية) من واجبات قانونية إلى عمل "خيري"، يتم غالبا اختزاله بمنح مالية، والتي باتت، بدورها، تخضع بشكل متصاعد لشروط منافية لإرادة الشعب الفلسطيني، إلى درجة قاربت فيها على اشتراط التخلي عن الحقوق الأصلية غير القابلة للتصرف كشرط للحصول على هذه المنح.
ومن جهة أخرى أدت السنوات الطويلة للقهر، والقمع، والتهجير، والاحتلال، إلى منع المجتمع الفلسطيني من التطور الطبيعي، وإلى تشوهه بالتالي، وإلى تشوه أولوياته إلى درجة بات معها شعب تحت الاحتلال، يعاني من بطالة متفاقمة، وفقر، وحرمان، يضع جانبا حقوقه الاقتصادية والاجتماعية؛ شعب يخوض معركة تحرر وطني، تصرف قواه طاقتها في صراعات داخلية، ويعاني من الفساد والتشرذم.
في كل الأحوال، تبدو فرص ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير مصيره، ولعودة لاجئيه، ولكسب حريته، وإنشاء دولته، وغير ذلك من تحقيق حقوقه، أضعف اليوم مما كانت عليه في السابق.
لمناقشة هذا الواقع، ولمراجعة منظومة حماية حقوق الإنسان الوطنية والعالمية، ولبحث آفاق هذه المنظومة، ودورها في المشروع الوطني، وفي مستقبل أفضل للعالم، ينعقد مؤتمر مواطن الرابع والعشرون يومي الخامس والسادس من تشرين الأول / أكتوبر 2018 في حرم جامعة بيرزيت.
محاور المؤتمر
سيبحث المؤتمر في جملة أمور، من ضمنها، ليس على سبيل الحصر:
• بعد سبعة عقود على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: ماهي حقوق الإنسان التي نطمح إليها؟ وما هي الأطر القادرة على تنظيمها؟
• ما هو مآل عالمية حقوق الإنسان في عصر الهوياتية المفرطة، وتشرذم الدول، ونمو النعرات الإثنية، والطائفية، والقبلية، ونمو الشعبوية اليمينية؟ وما هو أثر هذه النعرات على "الخصوصية الثقافية"؟
• هل بالإمكان تطوير منظومة حقوق إنسان تشمل المبادئ والضوابط ونظم الحماية خارج منظومة القانون الدولي المتهالكة؟
• هل بالإمكان تطوير آليات لضمان ضبط القوى العالمية المستحدثة (مثل الشركات الكبرى، ومجموعة الدول الثمانية والدول العشرين الكبيرة) وضمان التزامها بمعايير حقوق الإنسان؟
• كيف يمكن لمنظومة حقوق الإنسان أن تشكل بوصلة تحررية وتتحصن ضد استخدامها كأداة استعمارية؟
• من هم الحلفاء ومن هم الأعداء في المعركة لحماية حقوق الإنسان؟
• بين عالمية الاستعمار الجديد وعولمة الفقر: أين تقف منظومة حقوق الإنسان؟
• هل بالإمكان الحفاظ على معايير حماية حقوق الإنسان في ظل المعايير الأمنية العالمية الراهنة، والعقيدة الأمنية الجديدة؟ أم أن منظومة حقوق الإنسان قادرة على مواجهة التغول على الحقوق تحت مظلة الأمن؟ وقادرة على التخلص من شبح الإرهاب المعولم؟
• هل يمكن لمنظومة حقوق الإنسان أن تقف موقف الحياد من الاستعمار؟ ما هي واجباتها؟ وما هي آليات عملها المتعلق بإنهاء الاستعمار في فلسطين؟
• ما هو مآل مشاريع حقوق الإنسان الإقليمية؟ وهل يرتبط مصيرها بالترتيبات الإقليمية الاستعمارية، أما يمكن لها أن تشكل حصنا مقاوما، ومشروعا تحرريا؟
• حركة حقوق الإنسان في فلسطين: ما لها وما عليها! وما هي آفاق تطوير حماية حقوق الإنسان في فلسطين، وكيف تتشكل أجندتها؟