سيعالج المؤتمر السنوي هذا العام مرور ربع قرن على تحول كبير في تاريخ الشعب الفلسطيني. حيث تجسد هذا التحول في نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية، وتوقيع اتفاقية باريس الاقتصادية، واستكمال اتفاقية أوسلو باتفاقية القاهرة، ضمن خطوات "عملية السلام". ويشكل الحكم بفشل هذه العملية حالة نادرة من إجماع الخبراء، والسياسيين، والناس العاديين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم ومنطلقاتهم.
لنقاش هذا الواقع، وآفاق مستقبل قضية الشعب الفلسطيني، ونقاش تصورات بدائل صياغة المشروع الوطني، ولوضع النقاط على حروف الصراع الداخلي، والقواسم الوطنية المشتركة، وبناء المشروع عليها، سيحوي مؤتمر مواطن الخامس والعشرون عدة محاور موزعة على عدد من الجلسات التي تتناول هذه القضايا وما يرتبط بها، وتشمل (ليس على سبيل الحصر):
أسباب تعثر المشروع الوطني الفلسطيني؛
البيئة العربية الحاضنة للمشروع الوطني الفلسطيني وتحولاتها؛
التحالفات الدولية للقضية الفلسطينية، وتطورها، ومستقبلها؛
القضية الفلسطينية في ظل تحولات فهم وممارسة القانون الدولي؛
الاقتصاد السياسي لعملية السلام، ولعمليات بناء الدولة والمؤسسات، وأثره على المشروع الوطني؛
دمقرطة الجبهة الداخلية في فلسطين؛
التغيير المطلوب في السياسات الاقتصادية والاجتماعية على المستوى الفلسطيني الداخلي؛
سبل إعادة بناء الهيئات التمثيلية مثل النقابات والاتحادات بما يضمن تمثيلها للمشروع الوطني؛
سبل تعزيز آليات الرقابة المجتمعية على السياسات الوطنية.
ينعقد المؤتمر يومي الجمعة والسبت، 4 و 6 تشرين الأول / أكتوبر 2019 في قاعة المؤتمرات (243) في معهد مواطن الكائن في مبنى ملحق معهد الحقوق في حرم جامعة بيرزيت، وتتوفر فيه ترجمة فورية.
ورقة المفهوم
لمؤتمر مواطن السنوي الخامس والعشرين
"دمقرطة السياسة الفلسطينية كأساس لإعادة بناء المشروع الوطني"
المزمع عقده يومي الجمعة والسبت، 4 و 5 تشرين الأول / أكتوبر 2019
يصادف هذا العام مرور ربع قرن على تحول كبير في تاريخ الشعب الفلسطيني. تجسد هذا التحول في نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية، وتوقيع اتفاقية باريس الاقتصادية، واستكمال اتفاقية أوسلو باتفاقية القاهرة، ضمن خطوات "عملية السلام". ويشكل الحكم بفشل هذه العملية حالة نادرة من إجماع الخبراء، والسياسيين، والناس العاديين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم ومنطلقاتهم.
وبهذا المعنى لا يوجد ما يُناقش بشأن مستقبل "عملية السلام"، فلا يوجد لها مستقبل. غير أن هناك مستقبلاً للشعب الفلسطيني، ولمشروعه الوطني التحرري، يجدر نقاشه بعيدا عن الصفقات التي لا تقوم على معالجة المعضلة الأساس في قضية الشعب الفلسطيني وهي حريته وسائر حقوقه. وهناك حاجة إلى مراجعة المسار الذي تمخضت عنه "عملية السلام".
لقد تغيرت الطبيعة الاستعمارية للاحتلال الإسرائيلي، وباتت أكثر تغولا وأقل توجسا، كما أن الاستعمار تسلح بأدوات وتقنيات إضافية للبطش والهيمنة. أما بنية المقاومة الفلسطينية للاحتلال فقد تغيرت هي الأخرى بشكل جذري، وباتت معالم المشروع الوطني ضبابية، وانتقلت عملية التحرر الوطني إلى حالة انتظار ظروف موائمة لمتابعتها. وفي الأثناء يتم تقويض أسس نجاحها عن طريق قضم الأرض، وتحوير الأهداف وتجزئتها، وإضافة الشروط، وتجفيف الموارد.
استند النضال الوطني الفلسطيني لعقود طويلة إلى بيئة مساندة وداعمة كان بين عناصرها المعسكر الاشتراكي قبل انهياره، ومجموعة دول عدم الانحياز، والجماهير العربية، والعالم الإسلامي، ودول الجنوب عموما، على المستويين الرسمي والشعبي. كما تمتع الفلسطينيون بمساندة شعبية من حركات وأحزاب ونقابات في باقي أنحاء العالم ضمن منظور رأى في الفلسطينيين ضحية للإمبريالية العالمية. لكن تحولات كبرى طرأت على منظومة العلاقات الدولية، وعلى القوى المشكلة للمنظومة الدولية، بما فيها القوى الشعبية، وعلى شكل ومفعول وآليات القانون الدولي الذي شكل أداة رئيسة في تحشيد الدعم الأممي للقضية الفلسطينية. وأدت هذه التحولات، في مجملها، إلى إعادة صوغ القضية الفلسطينية من قضية شعب يناضل في سبيل تقرير المصير إلى معضلة تقنية تتعلق بتطبيق اتفاقية تجيز الاحتلال الذي اكتسب، شكلا، شرعية تعاقدية.
لم تقتصر هذه التحولات على القضية الفلسطينية، بل هي جزء من تحولات أوسع جرى فيها تراجع قيمة ومكانة السيادة، وطرأت فيها تحولات كبرى على القانون الدولي واستبداله بعبارات على طراز "إرادة المجتمع الدولي"، وأصبح الحق مشروطا بدفع الثمن الذي تفرضه "إرادة المجتمع الدولي". لقد تآكلت شرعية المقاومة (بكافة الوسائل) التي يكفلها القانون الدولي تحت وطأة عدم شرعية عنف المقاومة. ورافق ذلك مزيد من التقبل لعنف دولة الاحتلال، وباتت أشكال المقاومة السلمية مثل مقاطعة إسرائيل تصنف على أنها جريمة في دول عديدة. وبالطبع، فإن هذه الصورة يجب ألا تُغيّب عنا وجود واتساع رقعة التضامن الشعبي مع عدالة القضية الفلسطينية، خاصة في حقبة تعود فيها الحراكات المناهضة للإمبريالية إلى النهوض بعد تراجع وسبات استمر زهاء ثلاثة عقود. ولكن هذه العودة تأتي مع عملية فرز واصطفاف أكثر وضوحا عبر عن نفسه في لهاث عدد من الدول العربية والصديقة وراء إقامة علاقات مع إسرائيل.
وعلى المستوى الإقليمي هناك تراجع متعدد المناحي في مقومات دعم القضية الفلسطينية. فمن ناحية، الدول العربية منشغلة بقضاياها الداخلية بعد ما وصلت في غالبيتها إلى مراحل "انكشاف" متقدمة على مختلف الصعد؛ فعدد غير مسبوق منها يمر بحالات صراع اختلطت فيها الثورة مع الحروب الأهلية، والحروب بالوكالة، والتدخل الأجنبي، والحروب ضد الإرهاب؛ أضيف خلالها أعداء مبتكرون لهذه الدول؛ وهي تعاني من هجمات مختلفة وتقع تحت ضغوط متعددة لدفعها إلى التخلي عن مواقفها المناهضة للاحتلال الإسرائيلي، أو لدفعها إلى المساهمة في محاصرة إيران، وما شابه. كما تمر بإحدى أسوأ المراحل في تاريخها، فهي منقسمة حول سورية، ومنقسمة حول قطر، ومنقسمة حول إيران، وحول تركيا، وحول العلاقة مع الولايات المتحدة، والقائمة تطول.
في المحصلة، لم تعد البيئة الإقليمية العربية قادرة على أن تكون، على المستوى الرسمي، حاضنة داعمة للقضية الفلسطينية. أما على الصعيد الشعبي، فعلى الرغم من أن الشعوب العربية ما تزال تحتفظ بتأييدها للشعب الفلسطيني، ولا تزال غيورة على فلسطين، إلا أن القضية الفلسطينية لم تعد القضية الأولى على أجندة الأغلبية بين الجماهير العربية لانشغالها بقضاياها السياسية والاقتصادية التي باتت أشد وطأة من السابق. وباتت هذه الجماهير ترى في القضية الفلسطينية، جزئيا على الأقل، قضية تقودها حكومتان تعانيان من مشاكل شبيهة بمشاكل الحكومات العربية من حيث طبيعتها الأمنية، وتبعيتها إلى جهات خارجية؛ وأدى الانقسام الفلسطيني إلى انقسام المؤيدين في الشارع العربي، وإلى حيرة ودرجة من اللامبالاة.
أما الوضع الفلسطيني الداخلي فيتسم بالتشرذم والانقسام والصراع الداخلي، وبغياب استراتيجية تحررية، وبتقزيم المشروع الوطني. وينسحب التشرذم على الأحزاب السياسية والمؤسسات الأهلية والمؤسسات العامة. لقد بات الفلسطينيون غير قادرين على التوحد في مواجهة الاحتلال.
يعاني الوضع الاقتصادي الفلسطيني من اتساع رقعة الفقر، وازدياد الهوة بين الفقراء والأغنياء، والإمعان في السياسات الاقتصادية ذات المنحى النيوليبرالي (وينطبق ذلك على السياسات التي تقودها فتح، والتي تقودها حماس، وتشترك معهما فيها القوى الخارجية، ومراكز قوى في داخل البلاد)، فيما تخضع السوق إلى قيود ومحددات استعمارية لا حصر لها. ولم تعد المستويات المرتفعة للبطالة تثير الاستغراب، وتراجعت المؤشرات الاقتصادية بشكل ملحوظ، وبات الانكشاف للدعم الخارجي أشد وطأة. وأمست التبعية للاقتصاد الإسرائيلي أكبر أثرا على حياة الفلسطينيين الذين يشعرون بشكل متزايد أنهم رهينة للسياسات الاستعمارية التي تمارسها إسرائيل، مثل حصار غزة، واشتراط دخول المساعدات النقدية، وحجب أموال الضرائب الفلسطينية والاقتطاع منها، والتحكم في الصيد، وفي تصاريح العمل، والبناء، وغير ذلك.
وتُلقي الأزمة الاقتصادية ممزوجة بغياب الأفق السياسي بثقلها على الواقع الاجتماعي الذي بات نسيجه أقل تماسكا. فتراجع التعليم والصحة تحت وطأة العجز، وسوء الإدارة، والفساد داخليا، وتحت وطأة الحصار والقيود والعنصرية والتدمير من قبل الاحتلال. وبات العزوف عن التنظيم النقابي والحزبي والعمل التطوعي نمطا دارجا، وتراجعت مكانة الجمعيات الأهلية في المجتمع، وانحسر دورها، وظهرت أنماط جديدة من الجريمة، وازداد العنف انتشارا.
وأمست الأزمات تعصف بالمجتمع الفلسطيني بشكل أكثر كثافة، ولم يعد المجتمع قادرا على إخفاء تناقضاته آنيا من أجل التوحد في مواجهة الاحتلال. فنزل الناس إلى الشارع في مواجهة قانون الضريبة، ومن أجل حقوق المعلمين، ثم نزلوا من أجل الضمان الاجتماعي، ثم ضده في إعلان صريح عن فقدان الثقة.
وصلت التناقضات داخل المجتمع الفلسطيني إلى حد بات يهدد وحدة الهدف الكامن في التخلص من الاحتلال، وفي صون الهوية الوطنية، وما شابه من قضايا شكلت أرضية للعمل الوطني الفلسطيني لعقود. إن تشعب وتنوع المصالح، والولاءات، والتطلعات، وصلت حدا لا يمكن معه التجرد عن الاختلافات صونا للوحدة على الرغم من أن رفض الاحتلال ما يزال، بلا شك، يشكل أرضية مشتركة للشعب الفلسطيني.
كان التجرد عن الاختلافات (أو تأجيلها)، على مدى ردح من الزمن، أساسا وآلية لتشكيل الأرضية المشتركة للمقاومة كمشروع وطني جامع. ولكن التحولات التي طرأت على الواقع الفلسطيني في ربع القرن الأخير حولت هذا التجرد من متطلب للأرضية المشتركة إلى مقدمة لما يعرف بـ "ما بعد السياسة" أو الوسطية الزائفة التي تغلف التناقضات، وتحجب الضوء عن الظلم وغياب العدالة، وتدفع أصحاب الحق إلى الامتناع عن المطالبة به تحت مسميات "الواقعية السياسية" التي تُزيف الظلم على أنه قدر. وتتسم هذه الوسطية الزائفة بفراغها من أي محتوى سياسي يعبر عن مصالح غير المتنفذين، والمرتبطين بمسارات العولمة سياسيا واقتصاديا، وتعبر عن زيفها بشعارات هلامية فارغة من المحتوى السياسي من مثل "التغيير" دون الإعلان عن ماهيته، و"الشباب" من دون الخوض في كونهم نتاج المجتمع القائم ومستقبله، و"الإبداع" بدون هدف واضح لما يتم إبداعه أو ابتداعه، و"التجديد" وكأن هناك حاجة لتغيير وتيرة الحياة. ولا تصلح هذه الشعارات لمشروع سياسي، ناهيك عن مشروع التحرر الوطني. ولكنها قادرة على تمويه تناقضات أعمق وأشد من تلك التي طفت على السطح وأدت إلى انقسام فتح وحماس. ولا بد لهذه التناقضات أن تنفجر ما لم تتم تسويتها، وهي تسوية حتى ولو كانت مؤلمة، فإنها إما تكون أو لا يكون المشروع الوطني.
فمن غير الممكن تعايش هلامية المشروع السياسي مع التناقضات العميقة ذات الأبعاد الطبقية والوطنية التي يتسم بها المجتمع الفلسطيني. وسيؤدي الاستمرار في تصوير التناقضات على أنها "خلافات واختلافات" وحسب إلى غياب القدرة على معالجتها، وينذر بالانزلاق والانهيار والوصول إلى حالة من العبثية لا تكون الصحوة بعدها إلا بانفجار.
وعليه يتضح بشكل جلي أن هناك حاجة لتعزيز الجبهة الداخلية، وإعادة بناء المشروع الوطني ليأخذ بعين الاعتبار الأسس الفعلية للإجماع الشعبي والقواسم الوطنية، ويتسع لقدر أكبر من التعددية بما يكفل توازن المصالح المتناقضة، ويمكّن من كبت النزعات المعبرة عن المصالح الضيقة للنخب التي تتمادى في فرض مصالحها وإعلائها على الصالح العام. هناك حاجة إلى مشروع مبني على أسس يكون فيها لدحر الاحتلال والتحرر أولوية، يرفع غطاء الزيف والمظاهر والشعارات خالية المضمون مثل "الدولة" و"السيادة" و"المقاومة"، وما شابه، وهي شعارات حقيقة ترجمتها في هذا الظرف هي "السلطة" و"البنوك" و"السيطرة على الأمن" وما يشبه ذلك من مشاريع تشكل قاسما مشتركا بين حالتي الضفة الغربية وقطاع غزة.
محاور المؤتمر
لنقاش هذا الواقع، وآفاق مستقبل قضية الشعب الفلسطيني، ونقاش تصورات بدائل صياغة المشروع الوطني، ولوضع النقاط على حروف الصراع الداخلي، والقواسم الوطنية المشتركة، وبناء المشروع عليها، سيحوي مؤتمر مواطن الخامس والعشرون عدة محاور موزعة على عدد من الجلسات التي تتناول هذه القضايا وما يرتبط بها، وتشمل (ليس على سبيل الحصر):
- أسباب تعثر المشروع الوطني الفلسطيني؛
- البيئة العربية الحاضنة للمشروع الوطني الفلسطيني وتحولاتها؛
- التحالفات الدولية للقضية الفلسطينية، وتطورها، ومستقبلها؛
- القضية الفلسطينية في ظل تحولات فهم وممارسة القانون الدولي؛
- الاقتصاد السياسي لعملية السلام، ولعمليات بناء الدولة والمؤسسات، وأثره على المشروع الوطني؛
- دمقرطة الجبهة الداخلية في فلسطين؛
- التغيير المطلوب في السياسات الاقتصادية والاجتماعية على المستوى الفلسطيني الداخلي؛
- سبل إعادة بناء الهيئات التمثيلية مثل النقابات والاتحادات بما يضمن تمثيلها للمشروع الوطني؛
- سبل تعزيز آليات الرقابة المجتمعية على السياسات الوطنية.