يدعوكم معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الانسان بالشراكة مع المعهد الفرنسي للشرق الأدنى إلى المشاركة في يوم دراسي حول "النقابات والاتحادات العمالية من المنظورين: الفلسطيني والفرنسي". يحاول هذا اليوم الدراسي التركيز على القضايا المعاصرة التي تواجهها النقابات العمالية في فرنسا وفلسطين بشكل عام، وفي سياق التضييقات التي تواجهها النقابات العمالية في القطاعات المختلفة، والمحاولات المستمرة لإضعاف أو تقليص دور المؤسسات الهادفة للدفاع عن الحقوق العمّالية. يَكمُن التحدّي الذي يتمحور حوله هذا اليوم الدراسي في صعوبة المقارنة بين واقعين متباعدين ظاهرياً، ولكن في ظل سياق استعماري يسعى لشل التنظيم الجماعي ويهدِم تطور النقابات العمّالية من جانب، ومن جانب آخر التحوّلات العالمية الليبرالية، والحاصلة على كل من الأشكال التقليدية للوظائف وتمثيل العمال من جانب آخر، قد تبرز أمامنا قضايا وديناميكيات مشتركة للنقاش والبحث فيها.
من خلال طرح حوار بين باحثين وأكاديميين ونقابيين، سنتمكن من دراسة مدى جمود الأطر المؤسساتية، والاطلاع على استراتيجيات المراوغة والتكيّف التي تتبعها النقابات لمواجهة العقبات التشريعية والاقتصادية والظرف السياسي، والحيثيات التي تحكم عملية تجديد أشكال التنظيم وتمثيل العمّال عبر دراسة المبادرات الداخلية والخارجية التي تُطرَح في المؤسسات النقابية التقليدية من منظور نوعي.
يعقد اليوم الدراسي يوم السبت، 4 حزيران/يونيو 2022، من الساعة 10:30 وحتى الساعة 3:15 في قاعة رقم 243 في مبنى ملحق معهد الحقوق في حرم جامعة بيرزيت.
خلفية وسياق
في ظل سياقات اقتصادية ووطنية واجتماعية مختلفة، ما أهمية الدراسات والنقاشات المتعلقة بالاتحادات والنقابات والحقوق العمالية، ما هي أدوات المقارنة والتحليل الممكنة، وكيف تسهم في تطوير وتعميق النقاش حول العمل والتنظيم النقابي؟
في الحالة الفلسطينية، دأبت الحركة العمالية الفلسطينية على توجيه أولوياتها وفقاً للمسألة الوطنية التحررية، جنباً إلى جنب مع حقوق العمال والتنظيم النقابي. إذ لعبت دوراً أساسياً في تطوير وتنظيم وترسيخ وتأطير الوعي الوطني التحرري في المجتمع، خاصة في مواجهة سياسات الإفقار الاستعماري واستغلال القوى العاملة.[1] في ذات الوقت، تأثرت الحركة العمالية بفعل الوضع الاستعماري، والفئوية والحزبية الفلسطينية، والسياسات السلطوية المتنامية لليبرالية الجديدة.[2] هذه الحالة، والتي يمكن ملاحظتها في ظل أوضاع استعمارية أخرى،[3] قد تقضي على مطالب الطبقة العاملة ضد استغلال أصحاب العمل للقوى العاملة. ومع ذلك، ورغم السياق الاستعماري والثقافة السلطوية المتنامية، وإجهاض المحاولات الديمقراطية الوطنية الساعية للتغيير، إلا أن عدداً من النقابات الفلسطينية المهنية والعمالية تعمل، وتنجح في كثير من الأحيان، على خلق سبل بديلة للمشاركة في المجالات السياسية والمدنية.
جدير بالملاحظة أن واقع الحركة العمالية الفلسطينية اليوم وما وصلت إليه، لا ينفصل عن عملية السلام المتعثرة التي انطلقت مع توقيع اتفاقيات أوسلو (1993). ونلاحظ إجماعاً بين الباحثين حول التأثير السلبي للتطورات السياسية التي حصلت في أعقاب أوسلو على المجتمع الفلسطيني. فمنذ ذلك الحين، تواجه النقابات تحديات متنوعة؛ فنظام التحكم المادي والإداري الذي تفرضه إسرائيل على الأرض الفلسطينية المحتلة، يؤثر بشكل جلي على قدرة النقابات العمالية الفلسطينية على العمل في سبيل الوصول إلى سبل العيش الكريم والموارد والخدمات الأساسية.
أما على نطاق أوسع، فإن سياسات اللاتنمية (de-development) التي تنتهجها سلطات الاحتلال الإسرائيلي عملت، وما تزال تعمل، على تقويض الاقتصاد الفلسطيني وظروف العمل، وتقييد فرص العيش، جاعلة من الخدمات الأساسية والبنى التحتية غير ملائمة.[4] أضف على ذلك، إن النقابات مجبرة على مواجهة، بالتوازي مع الاستغلال وواقع الممارسات الاستعمارية، سياسات الليبرالية الجديدة التي نتجت عن المقاربة التي تبنتها السلطة الفلسطينية والتي فاقمت من عدم المساواة وعززت الفردانية، وهو الأمر الذي جعل التحكم، سياسياً، في بعض النقابات ممكناً، في حين أضحى النضال والتنظيم الجماعي أكثر تعقيداً وصعوبة.
وفي ذات السياق، تعاني العديد من البنى النقابية في فلسطين من التشرذم والنقص في شرعية التمثيل للقطاعات التي تمثلها، في حين يعاني آخرون من ضعف في المشاركة والفعالية.[5] وكثيراً ما لعب التمويل الخارجي دوراً سلبياً، خاصة في ظل هيمنة السوق الرأسمالي وآلياته، ومن خلال خلق بيئة لا تعزز مفاهيم التكافل والتطوع والمسؤولية الاجتماعية وخدمة الصالح العام، . فقد استبدلت هذه القيم بالتوظيف والتمويل. كما أن هناك قدراً كبيراً من النقد موجه إلى النقابات حول علاقة قياداتها بالحكومة، والتي تحد من فاعليتهم، وهو الأمر الذي ربما يفسر تراخيها في الدفاع عن حقوق المنتسبين إليها. إلا أنه، مؤخراً، هناك العديد من المحاولات لإنشاء نقابات مستقلة تضم نقابيين ورؤى وبرامج وطنية، نجحت في إيجاد وخلق فضاءات مختلفة وبنى نقابية نموذجية، على الرغم من كونها، تقوم أحياناً على القطاعية والتخصصية.
وبالاستناد إلى هذه الاعتبارات، فإن فكرة تنظيم يوم نقاش حول النقابات العمالية الفلسطينية والفرنسية قد يبدو طموحاً وغير ملائماً. ولكن، في تحليل واقع النقابات العمالية اليوم في فرنسا، وفي ظل السياسات النيوليبرالية العالمية المتبعة من قبل الحكومات، تبرز أهمية النقاشات والبحث في أدوات التحليل والمقارنة بين واقعين يبدوان ظاهرياً متباعدين، رغم وجود العديد من نقاط التشابه في الإشكاليات، وربما سبل المواجهة.
وفي النظر إلى هذه الاعتبارات والمتمحورة حول مركزية الدولة، فإن الفخ قد يكمن في الاعتقاد أن تمثيل وتنظيم العمال والدفاع عن حقوقهم وتشكيل النقابات والاتحادات، طموحاً وغير ممكناً. وإذا نظرنا إلى النقابة كشكل محدد من المؤسسة، من وحي أفكار بوراوي Burawoy؛ وألال ويون Allal and Yon،[6] – في كامل عملية رؤية مكان العمل والعلاقة المهنية/ الصناعية كونه التعبير عن نمط محدد من المواطنة إلى جانب السياسي منها - والتي منها يجب أن لا ينظر إلى الدور كصورة طموحة ومتخيلة، بل منظمة تتقاطع فيها آليات داخلية وخارجية يقوم فاعلوها على تعديلها وإدراجها في سياق سياسي واقتصادي أعم. وقد تأخذ المؤسسة شكلاً مختلفاً دون أن يتم مسبقاً التعريف بها.
ومن هنا وجب التنويه أن فكرة استخدام هذا المفهوم لا تكمُن في توجيه مساهمات المشاركين في اليوم الدراسي من خلال هذا المنظور، ولكن في السماح لنا بالانطلاق معاً من رؤية مشتركة تتعلق بما يمكن أن يكون عليه نظام النقابات، وأن نطور من هذا التعريف مقاربة على نحو مقارن تكون أكثر إرضاءً. وفي واقع الأمر، تكمُن أهمية هذا المفهوم في أنه يسمح لنا بالتفكير أن آليات متباينة تقوم على الأدلة، قد تفضي إلى النتائج نفسها، في ظل تشابه بعض الديناميات الداخلية و/أو العرضية. على سبيل المثال: في فرنسا، وعلى الرغم من تراجع كبير في التوجه المتشدد ذي الطابع الاشتباكي منذ ثمانينيات القرن الماضي، فقد بقيت الحركة النقابية جزئياً مرتبطة بإرثها الثوري والشعبي، ذلك الذي انبثق عن الطبقات العاملة. إلا أنه، وحين نمعن النظر في الدراسات المعاصرة التي صدرت في فرنسا (دومينيك أندولفاتو، صوفي بيرو، بابتست جيرو، كارل يون ...إلخ)[7]، نلاحظ بروز أسئلة تتعلق بتأثير أشكال من التبعية المؤسساتية (بشكل ملحوظ من خلال التمويل الحكومي للنقابات العمالية)، ونلاحظ أن صدى ذلك الأمر حاضراً في النقد الموجه إلى بعض النقابات العمالية في فلسطين، كالاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين منذ تأسيسه عام 1965 كأحد قواعد منظمة التحرير الفلسطينية (نينا سوفيش، جراهام أوشر)[8]، وفي علاقته الوثيقة بالسلطة الفلسطينية منذ تأسيسها. ويمكننا الافتراض أن ذلك يؤدي، في كلتا الحالتين، إلى البيروقراطية والتبعية في عمل النقابات، وهو ما يفسر لنا انفصال النقابات عن قواعدها العمالية.
وبشكل عام، يذكر أندلفاتو ولابيه أن فرنسا، ومنذ سبعينيات القرن الماضي، تشهد تغيراً في أشكال الصلات الاجتماعية في العمل مصحوبة بتغيير في آليات التوظيف وازدياد في قيم الفردانية، ولم تعد على تواصل مع مقاربات النقابات العمالية.[9] إلا أنه، وعلى الرغم من هذه الدينامية التي استمرت لأكثر من نصف قرن، تستمر النقابات بالوجود في قطاعات مختلفة من النشاط، وفي فضاءات اجتماعية – إنتاجية مختلفة. [10]
وبالعودة إلى مقاربتنا المقارنة، فإن الجمع بين سياقين دراسيين متباعدين يؤدي بنا إلى التشكيك في تشابه تأثير هذه العوامل المهيمنة، بالتالي تبرز ضرورة ملاحظة ذلك في السياق العام لاقتصاد معولم وليبرالي، والتغييرات في التوظيف ونزع صفة الانتظام والاستقرار في العمل في قطاعات وأنشطة معينة،[11] في كل من فرنسا وفلسطين.
وإذا قمنا بتوسيع السؤال، ليشمل ما تؤثر به سياسات الليبرالية الجديدة لعالم العمل والقدرة على النضال والتنظيم في داخله، تصبح المقارنات الدولية ممكنة، وربما ملحة، فيما وراء الاختلافات في أنظمة العلاقات الصناعية. كما من الضروري التساؤل عن احتمالات استعادة النقابات، نحو العمل والتنظيم الجماعي، في سياق التبعية الشديدة للقوة والسلطة العامة، وفي ظل الزعزعة العميقة لاستقرار المنظمات المنتجة وأشكال التوظيف والعمل في السياق الفلسطيني والفرنسي.
سيعتمد توضيح المقارنة في هذا اليوم الدراسي على تبادل الأفكار بين باحثين وأكاديميين ومرشحين لنيل درجة الدكتوراه مهتمين بشكل مباشر أو غير مباشر بموضوع النقابات والحقوق العمالية وتنظيم وتمثيل العاملين. هذا العرض لأعمال فلسطينية وفرنسية، عوضاً عن النقاشات التي تتبعها، سيشكل فرصة للتساؤل والنقاش حول ممارساتنا وآليات عملنا، في ظل ديناميات مختلفة ومتشابهة. كذلك تهدف المقارنة إلى التعرف على نظريات وتطبيقات وأدوات تحليل يمكن معارضتها أو موافقتها، وفقاً للسياق.
[1] أيمن عبد المجيد ورانيا أبو غبوش، الحركة العمالية والنقابية والبحث عن العدالة الاجتماعية في فلسطين المحتلة: دراسة حالة، تقرير بحثي (بيروت: معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت؛ معهد الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة في الجامعة الأميركية في بيروت، تموز/يوليو 2017)، 6،
[2] المصدر نفسه، 4.
[3] Hamed SIDIBE, Histoires politiques du syndicalisme malien de ses origines à nos Jours, (Mali, Harmattan, 2019), 264.
[4] See, for example, The Economic Costs of the Israeli Occupation for the Palestinian People and Their Human Right to Development: Legal Dimensions, UN Conference on Trade and Development, April 2018.
[5] فراس جابر وإياد الرياحي، "العمل غير المهيكل: فلسطين"، في: راصد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية: العمل غير المهيكل، تأليف مجموعة باحثين (بيروت: شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، 2016)، 485،
[6] Amin ALLAL, Karel YON, « Citoyennetés industrielles, (in)soumissions ouvrières et formes du lien syndical : pour une sociologie politique des relations de travail », Critique internationale 2, no. 87 (2020) : 15-32.
[7] Dominique ANDOLFATTO and Dominique LABBE, Toujours moins !: decline of French-style unionism, (Paris, Gallimard, 2009), 221; GIRAUD, YON, and BEROUD, Sociologie politique du syndicalisme, 224.
[8] Graham HUSHER, « Palestinian Trade Unions and the Struggle for Independence », Middle East Report, no. 194/195, (mai à août 1995), 20-24. ; Nina SOVICH, « Palestinian Trade Unions » Journal of Palestine Studies 29, no. 4, (Summer 2000), 66-79.
[9] ANDOLFATTO and LABBE, Toujours moins !, 109.
[10] Cristina NIZZOLI, « Quel renouveau pour le syndicalisme contemporain ? », Chronique Internationale de l'IRES 4, N° 160 (2017) : 3-18.; Marlène BENQUET, Les damnées de la caisse. Enquête sur une grève dans un hypermarché, (Paris, Éditions du Croquant, coll. « Savoir/Agir », 2011), 238; Maxime QUIJOUX, Adieux au patronat. Lutte et gestion ouvrières dans une usine reprise en coopérative, (Vulaines-sur-Seine, Éditions du Croquant, coll. « Dynamiques socio-économiques », 2018), 314; Sophie BEROUD and Paul BOUFFARTIGUE (dir), Quand le travail se précarise, quelles résistances collectives ?, (La Dispute, 2009), 355.
[11] NIZZOLI, « Quel renouveau pour le syndicalisme contemporain ? », 3-18 ; GIRAUD, YON and BEROUD, Sociologie politique du syndicalisme, 223.