نظم معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الإنسان بإشراف مديره مساقاً مكثفاً بمستوى الدكتوراه حول "حقوق الإنسان في ظرف الاستثناء" وذلك على مدار ثلاثة أيام، بين 2-4 أيار/ مايو2023، في حرم جامعة بيرزيت، وذلك ضمن مساهمة معهد مواطن في مشروع "شراكة من أجل السلام: تعليم عالٍ أفضل من أجل مجتمعات صامدة"، الذي تشترك في تنفيذه جامعة أوسلو في النرويج، وجامعة بيرزيت، وجامعة لوس أنديس في كولومبيا، والمدرسة الأفريقية للاقتصاد في بنين، وجامعة مكريري في أوغندا، وجامعة ميكيل في إثيوبيا.
حضر المساق باحثون وباحثات وطلبة دكتوراه وماجستير من الجامعات الخمسة تتقاطع تخصصاتهم واهتماماتهم البحثية مع مجال حقوق الإنسان. يشار أنه تم عقد المساق بشكل هجين (بالحضور الفعلي والافتراضي) بسبب حجب تأشيرات السفر الإسرائيلية عن كل المشاركين من قارة أفريقيا.
تألف المساق من خمس جلسات تناولت تطور وممارسة حقوق الإنسان في ظل الاستعمار واستخدم منظومة الحماية الحقوقية ضمن أدوات النضال الوطني الفلسطيني، وطبيعة وتشوهات مفاهيم حقوق الإنسان في حالة الاستثناء، ومخاطر تطبيع حالة الاستثناء وأثر ذلك على حقوق الإنسان وعلى دورها.
قدم الجلستين الأولى والثانية من المساق د. مضر قسيس، أستاذ الفلسفة في جامعة بيرزيت ومدير معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الإنسان، وناقش في الجلسة الأولى "حقوق الإنسان في الظرف الاستعماري" وتطرق مع المشاركين إلى ثنائية المستعمِر والمستعمَر وعدم توافقها مع عالمية ووحدة حقوق الإنسان، وطبيعتها التحررية. أما الجلسة الثانية، فناقشت "تطبيع انتهاكات حقوق الانسان في حالة الاستثناء" مع التركيز على حالة فلسطين التي جعلها الظرف الاستعماري بؤرة للانتهاكات. وتحدثت في هذه الجلسة سحر فرنسيس، وهي المديرة العامة لمؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، عن قضايا الأسرى في سجون الاحتلال الاسرائيلي وعن الحقوق السياسية والمدنية للمعتقلين الفلسطينيين وعن الانتهاكات الصارخة التي تطالهم نتيجة للظرف الاستعماري. وتطرق د. عمار الدويك، وهو المدير العام للهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان، إلى الهجوم الشرس الذي يتعرض له المدافعون عن حقوق الإنسان عالميا وفي فلسطين بشكل خاص.
أما الجلستان الثالثة والرابعة، فقدمهما، د. عاصم خليل، أستاذ القانون الدستوري في جامعة بيرزيت، الذي عرض لمفهوم حالة الاستثناء أو الضرورة من جانب قانوني ودستوري، وناقش حالات جرى فيها تطبيع حالات الاستثناء لإنفاذ مصالح الطبقة الحاكمة في عدد من الدول وأثر ذلك على حماية حقوق الإنسان وصون الكرامة الإنسانية والاستقلالية. وناقش المشاركون الجوانب الدستورية والقانونية لحقوق الإنسان وحمايتها في المراحل الانتقالية، ودور المحاكم الدستورية في إنفاذ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى الدور الذي يلعبه القانون في الظرف الاستعماري.
أما في الجلسة الأخيرة من المساق، أكد د. قسيس في عرضه ونقاشه مع الطلبة المشاركين على طبيعة حقوق الإنسان التي لا يمكن اختزالها في الجوانب القانونية والتقنية، وعلى معنى ومغزى عالمية حقوق الإنسان ووحدتها. وناقش مراحل تطور مكانة حقوق الإنسان في النظام العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم، والأسباب والظروف التي مكنت بعض القوى من إساءة استخدام حقوق الإنسان، وضرورة تطوير منظومة حقوق الإنسان لضمان دورها التحرري ومنع سوء استخدامها. وتم نقاش بعض المقترحات التي يمكن أن تسهم في ضمان الدور التحرري لحقوق الإنسان مثل تسييس حقوق الإنسان، ونزع النظرة التقنية والأحادية القانونية عن حقوق الإنسان، وضرورة التأكد من عالميتها بدلا من الادعاء بعالمية الرؤية الليبرالية لها، وضرورة إعادة توحيدها والتوقف عن إهمال وتهميش الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. كما تمت الإشارة إلى أن هذه المواصفات ضرورية من أجل قيام منظومة حقوق الإنسان بلعب دور في صوغ النظام العالمي المقبل بشكل يشمل نزع تطبيع حالة الاستثناء، ويشمل تفعيل الدور التحرري لحقوق الإنسان على المستويات الوطنية والمجتمعية والفردية.