استضاف معهد مواطن للديموقراطية وحقوق الإنسان في جامعة بيرزيت، يوم الاثنين 16 أيلول 2019، ريناتا ساليكل، الباحثة في معهد علم الجريمة في جامعة ليوبليانا والأستاذة الزائرة في كلية لندن للاقتصاد وذلك لعرض ومناقشة كتابها "استبداد الاختيار."
في المحاضرة، التي عقدتها مبادرة وندسور- بيرزيت للكرامة بالتعاون مع مؤسسة عبد المحسن القطان، تباحث الحضور مع الضيفة المفاهيم المطروحة في الكتاب والتي تتمحور حول "وهم الاختيار" والعقلية الاستهلاكية الطاغية على جميع نواحي الحياة في عصر رأسمالية ما بعد الصناعة.
في افتتاح المحاضرة رحب مدير معهد مواطن للديموقراطية وحقوق الانسان د. مضر قسيس بريناتا ساليكل الفيلسوفة والكاتبة وعالمة الاجتماع السلوفانية، وأشار بأنها تحلل "فرط الخيارات" في المجتمعات ما بعد الصناعية وذلك استناداً لأسلوب تحليل منطلق من الفلسفة وعلم الاجتماع والتحليل النفسي.
بدأت ساليكل المحاضرة بتعريفها لأيديولوجيا أطلقت عليها مسمى "أيديولوجيا الاختيار" وهي باعتقادها أيديولوجيا نشأت منذ بدايات ال 1970 وكنتاج لانتشار النظام النيوليبرالي. كما وأشارت ساليكل بأن هذه الأيديولوجيا مرتبطة وبشكل وثيق مع النزعة الاستهلاكية واستطاعت أن تؤثر على الطرق التي يرى بها الناس أنفسهم كصانعي خيار عوضا عن حاملي حقوق. أحد الأمثلة التي قدمتها ساليكل متعلق بقضية الإجهاض في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي تَحَول من نقاش حول حقوق النساء إلى نقاش حول مفهوم الاختيار والقدرات الاقتصادية للأفراد.
ترى ساليكل أن "أيديولوجيا الاختيار" تجعل الأشخاص ينظرون إلى أنفسهم وكأنهم قادرين على اتخاذ خياراتهم بحرية تامة، إلا أنهم لا يدركون بأنهم، وفي أغلب الأحيان، لا يملكون الوسائل لاتخاذ تلك الخيارات. وبالتالي يطغى مفهوم "حرية الاختيار" على العديد من الاضطرابات النفسية الشائعة في المجتمعات ما بعد الصناعية مثل القلق، والشعور بالذنب، وتقليل الفرد من قيمة نفسه.
بالنسبة لساليكل، وهم الاختيار يُحَول انتباه الأفراد داخلياً أي بأنه عند مواجهتهم للفشل - بالمعنى المتعارف عليه داخل مجتمعاتهم- فإنهم يلومون أنفسهم وخياراتهم عوضاً عن النظر خارجا أي الى العوامل الاجتماعية، الاقتصادية والقانونية التي تؤثر على خياراتهم، وعلى المجتمع بصورة أشمل.
كما وأكدت ساليكل بأن تركيز الشخص على نفسه يحبط قابلية الأفراد لمحاولة العمل على إيجاد تغيير في مجتمعاتهم، وبذلك يقومون بخلق دوائر مغلقة تفصلهم عن مجتمعاتهم، وتدفعهم نحو القلق وهو ما يؤدي بدوره إلى الغوص أكثر وأكثر نحو الاستهلاك و"أيديولوجيا الاختيار."
لخصت ساليكل النقاش بالقول بأن اعتقاد الناس بامتلاكهم حرية الاختيار ينسيهم بأن واقعهم الاقتصادي هو ما يحدد بالضرورة خياراتهم المتاحة. عوضاً عن ذلك، يؤمن الأشخاص بأن اتخاذ الخيار الصائب يُحَسِن واقعهم الاقتصادي وبذلك يُدفَعون باتجاه تجاهل شبكات الأمان الموجودة والتحليل المنطقي لمحدودية خياراتهم من أجل إبقاء وهم نجاح مستوحى من وهم فائض الخيارات المتاحة.