سليم تماري: الجبل ضد البحر: دراسات في إشكاليات الحداثة الفلسطينية. 2005
الجيل ضد البحر: دراسات في إشكاليات الحداثة الفلسطينية
سليم تماري
2005
لاشك ان حداثة القدس هي إشكالية- ذلك ان نهاية عزلة المدينة- الغيتو أدت الى تبلور نظام طائفي أكثر حدة في ملامحه من النسق الذي حل في محله. فقد أدخل الاستعمار البريطاني حدوداً فاصلة من النسق للأحياء الدينية في البلدة القديمة على أنقاض المحلات (جمه محلة) السابقة. وبينما كانت المدينة العثمانية تتميز بمزيج مهجن من المجموعات المذهبية والإثنية المتعايشة بوئام نسبي، والمتداخلة اجتماعياً- أصبحت القدس الانتدابية مدينة حارات مذهبية منفصلة. واقترنت الآن حياة المسيحيين المقدسيين بحارة النصارى، وحياة المسلمين بما أصبح يعرف بحارة المسلمين (وهو حيز لم يكن لة وجود سابقاً)، واليهود بحارة اليهود التي تشكلت من امتداد حارة "شرف" المختلطة. فقط الأرمن، شكلوا استمراراً تاريخياً لمنطقتهم التي احتلوها منذ قرون عدة. بأختصار، اصبحت مع هذا التحول الهوية الدينية متطابقة مع الحيز السكني.
في هذا السياق برزت أهمية الانتقال الى الاحياء الجديدة ("البرجوازية") خارج البلدة المسورة كحركة تمرد ضد ضم مكان السكن للعائلة كدفعة انتماء طائفي لتلك العائلة. ومما زاد من حدة هذا الاستقطاب، نجاح الحركة الصهيونية في استمالة اعداد كبيرة من التجمعات الدينية العبادية تحت جناح القومية الجديدة المتشكلة – ما عزز من ظاهرة تطابق الحس الديني والحس القومي في وجدانها.
سليم تماري
- حاصل على شهادة الدكتور في علم الاجتماع من جامعة مانشستر. استاذ علم الاجتماع في جامعة بيرزيت، ومدير مؤسسة الدراسات المقدسية. محرر "حوليات القدس". له عدة مؤلفات حول المجتمع الفلسطيني والثقافة العربية المعاصرة.