تقاسيم زمار الحي
تقاسيم زمار الحي
فيصل حوراني
2006
زمار الحي لا يطرب، هذا قول شائع، فلنسلم بأنه قول صحيح ثم لنتساءل: هل يتوجب على العازف، حتى لو كان زمار حي يعزف منفرداً، أن يبث ما يطرب فقط؛ ألا يجوز للعازف أن يبث ما يوجع أيضاً، خصوصاً حين لا يكون من الوجع بد؟ وكيف نصف حالنا وما لقيناه وصفاً صحيحاً إن لم نقل إن جلّه موجع.هل نزوّر الوصف حتى لا يتوجع أحد. وماذا عن الذين يوجعهم التزوير حتى لو أتقن المزور التستر على المواجع!
زمار الحي في هذه المقالات هو أنا. ولكم أن تثقوا بأني سأسعد لو أمكن أن أبث تقاسيم مطربة، لكني لا أتهيب إثارة المواجع. وصديقك ليس هو من يصدقك فقط؛ فقد يفعل هذا أيما إنسان. الصديق هو الذي يكشف لك الحقيقة مهما يكن كشفها موجعاً. وهل يعيب الصدق أن يكون مما يوجع.
وربما بدا للوهلة الأولى أن المقالات التي يضمها هذا الكتاب متفرقات لا يجمعها ما يسوغ نشرها مجتمعة أو أن ما تبثه هو رنين أوراق يابسة تحركها رياح كليلة. غير أن قراءة المقالات تظهر ما يسوغ جمعها ويبيح إعادة نشرها بالرغم من أن معظمها سبق نشره في صحف أو دوريات متخصصة. فالهم الوطني، وهو ما كان دافعي إلى كتابة كل ما كتبته في حياتي، حاضر هنا بتمامه، وهذه الأوراق التي تعالجه لم تسقط عن منابتها، وفي ظني أنها ما تزال أوراقاً يانعة وأن ما يصدر عنها هو بوح ما زلنا بحاجة إليه.