ينشر معهد مواطن هذا الكتاب لسد ثغرة في الأدبيات باللغة العربية حول مبحث العدالة الانتقالية، فموضوعها شغل ويشغل العالم العربي عموما، والفلسطينيين بشكل خاص. ولكن المبحث الذي يناقش قضايا العدالة الانتقالية مفاهيميا، ونظرياً، وإجرائياً، ونقدياً، لم يحظ بالاهتمام الكافي، الأمر الذي يعكسه شح المنشورات في هذا الحقل المعرفي المستجد. ولكن هذا المبحث سيحظى بمكانته عاجلاً أم آجلاً لارتباطه بمشاريع التحرر من براثن الظرف الكولونيالي ومختلف أشكال الهيمنة، وبإرساء أسس السلم والاستقرار.

يدرك الفلسطينيون بعمق الجذور التاريخية لقضيتهم، كما يدركون أن "انتقال" الشعب الفلسطيني إلى حالة طبيعية لا يتم بتطبع القهر والهيمنة، بل بتكريس العدل. لذلك، فإن الإغفال النسبي لموضوع العدالة الانتقالية من اهتماماتهم في "المرحلة الانتقالية" يتسم بالغرابة، ويبدو الأمر وكأن الفلسطينيين أخذوا قائمة القضايا التي قدمها لهم "المجتمع الدولي" وتعايشوا مع عدم احتوائها على بند العدالة الانتقالية. إن هذا التعايش لا يمكن أن يستمر، خصوصاً في ضوء الفشل المدوي لخطة "أوسلو" التي حاولت تجاوز تكريس العدل وإحقاق الحق. أما على الصعيد العربي، فإن التحولات التي شهدتها المنطقة منذ اندلاع ثورات الكرامة سنة 2010، والثورات المضادة والتدخلات الاستعمارية التي تلتها، أنشأت أوضاعاً في عدد من الدول العربية جعلت العدالة الانتقالية أداة سيتحتم استخدامها عاجلاً أم آجلاً.

إن الحاجة العربية إلى مبحث العدالة الانتقالية في ظل افتقار المكتبة العربية إلى كتب مرجعية رصينة في هذا الحقل الآخذ بالتطور شكلت الدافع الأساسي وراء نشر هذا الكتاب الذي يحوي نصوصا أثمرتها جهود بابلو دي غريف، أول من شغل ولاية المقرر الأممي الخاص المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة والجبر وضمانات عدم التكرار (2012-2018)، حيث شكلت محتويات تقاريره أساساً صلباً لدراسة هذا الموضوع متداخل الحقول.