You are here

مؤتمر مواطن السنوي الثلاثون "وقع الإبادة في غزّة على مستقبل العالم وقراءة القضيّة الفلسطينيّة"

Primary tabs

تاريخ المؤتمر/الندوة:
2 و3 كانون الأول/ديسمبر 2025

دعوة

 إلى مؤتمر مواطن السنويّ الثلاثين

 

وقع الإبادة في غزّة على مستقبل العالم وقراءة القضيّة الفلسطينيّة

الثلاثاء والأربعاء، 2 و 3 كانون الأول/ديسمبر 2025

 

 

يسعى مؤتمر مواطن الثلاثون إلى فهم القضية الفلسطينية في سياقها الأعم: العربي والعالمي، الذي ينظر إلى الاحتلال بصفته جزءاً من منظومة استعمارية عالمية لها وكلاؤها الذين يلعبون أدواراً متنوعة على الأصعدة كافة. ويتفحص مكانة القضيّة الفلسطينيّة في الصراع بين الأوليجاركيّة والتحرّر على النظام العالميّ المستقبلي.

يشارك في المؤتمر أساتذة وباحثون وخبراء وناشطون من أنحاء العالم، يراجعون قضايا التحولات البنيوية في النظام العالمي، والأوضاع المحلية والإقليمية في حقبة التغيير العالمي، والمسؤولية عن التحضير لتغيير النظام العالمي، والتضامن في سياق مقاومة الفاشية الجديدة وتجلياتها. 

ينعقد المؤتمر يومي الثلاثاء والاربعاء، 2 و 3 كانون الأول/ديسمبر 2025، بترتيب هجين في حرم جامعة بيرزيت في قاعة 243 في معهد مواطن، وعبر الفضاء الافتراضي في الوقت ذاته.  سيتم بث المؤتمر حيا على قناة معهد مواطن على اليوتيوب وعبر صفحة المعهد على الفيسبوك، فضلا عن إمكانية المشاركة عبر منصة زووم، والتي تتطلب التسجيل المسبق من خلال الضغط هنا.

يمكن الاطلاع على الملاحظات الملاحظات المفاهيمية الخاصة بالمؤتمر، وبرنامج المؤتمر، وملخصات المداخلات، وقائمة المشاركين من خلال زيارة الموقع الإلكتروني للمعهد http://muwatin.birzeit.edu/ar/conventions أو من خلال الموقع الإلكتروني لجامعة بيرزيت (Birzeit.edu/ar/events)، أو صفحة الفيسبوك الخاصة بالمعهد (Facebook.com/muwatininstitute1)

 

بالتوازي مع أعمال المؤتمر سيتم عرض مجموعة فنية من مقتنيات متحف جامعة بيرزيت تضم أعمالا للفنان مروان (مروان قصاب باشي)  من مجموعة بعنوان "أطفال فلسطين."

 

أما عناوين المنصات التي يمكن متابعة المؤتمر من خلالها في الفضاء الافتراضي فهي:

اليوتيوب: https://www.youtube.com/MuwatinInstituteBirzeitUniversity  ننصح بالاشتراك في القناة ليصلكم التذكير بالمؤتمر وأي تحديثات أخرى.

الفيسبوك: https://www.facebook.com/MuwatinInstitute1

منصة زووم (للتسجيل):

Webinar Registration - Zoom

 

تتوفر ترجمة فورية

 

مؤتمر مواطن السنويّ الثلاثون

 

وقع الإبادة في غزّة على مستقبل العالم وقراءة القضيّة الفلسطينيّة

الثلاثاء والأربعاء، 2 و 3 كانون الأول/ديسمبر 2025

ملاحظات مفاهيمية

 

العالم، الذي يعيش استقطاباً غير مسبوق، منشغل كلّه بما يحصل في قطاع غزّة، وذلك على صعيدين: الراهن (ما يجري في الحاضر)؛ والمستقبل (مآلات ما يجري). ويتجلّى هذا الانشغال في بعدين يرتبطان بطرفي شرخٍ يقسم العالم بين الفاشيّة، التي تنبثق يوماً بعد يوم عن النيوليبراليّة الأوليجاركيّة، من جهة؛ وضحاياها الساعين نحو الحرّيّة والعدالة، من جهة أخرى. ففي أحد طرفي الشرخ تتمترس النخب الاستعماريّة والإمبرياليّة والرجعيّة، وفي الطرف الآخر، يصطفّ أحرار العالم – ضحايا الفاشيّة الصاعدة، والذين يقاوموها.

على الصعيد الراهن، تنشغل النخب الاستعماريّة والإمبرياليّة والرجعيّة بمداولات حول كيفية القضاء على مقاومة غزة، وكيف يُركّع سكّان القطاع بعد أن باتوا غير قادرين على الوقوف؛ والبقعة الأنسب لحصارهم؛ والدولة التي يمكن تهجيرهم إليها؛ والقنبلة الأشدّ فتكاً لقصفهم؛ والموقع الأنسب لقتلهم: في بيوتهم أم في طوابير المساعدات المفخخة. ويفكرون في تصميم عمليّات الإبادة، بحيث تكون أكثر جدوى لتّجار الحرب.

أمّا على صعيد مآل قطاع غزّة، فتناقش هذه النخب مستقبله عبر هندسة ما يعرف بـ "اليوم التالي" من منطلق مآربها العنصريّة والتوسّعيّة، ومصالحها السياسيّة، والاقتصادية (بما في ذلك طموحاتها الريعية المتعلقة بالغاز والإعمار)، وغيرها. فتتداول التصوّرات حول إعادة توزيع الخريطة السكّانية، عبر التهجير والسيطرة على الأرض لمدى طويل، وهندسة شكل الإدارة بعد المجازر. وينحصر تفكيرها لا في حق الفلسطينيين بحكم أنفسهم بل في من سيحكمهم، وكيف يُدار الحاكمون المفترضون. وتناقش هذه النخب رؤى أقرب إلى الهلوسة، بشأن مستقبل يتم فيه تحويل أهل غزة وغيرهم إلى قوة عمل تخدم مستثمرين، يأتون كسادة جدد؛ كما تناقش هذه النخب خططاً بشأن مدن جديدة على أنقاض القطاع وتخومه، ليس لخدمة ورفاه ساكنيها، بل لتكون بنى تحتية لاستثمارات متخيّلة عابرة للحدود، ولتحول قطاع غزة إلى معسكر كبير لتركيز قوى العمل. وحتى "إعادة الإعمار"، يُنظر لها كسلعة تدرّ ربحا كما لو كانت غنيمة حرب.

أمّا أحرار العالم، على الطرف الآخر من الشرخ، فمشغلون بالمقاومة، وبما يمكن فعله لوقف مذبحة الإبادة الدائرة في أقرب وقت؛ يبحثون عن طرق إنقاذ وإغاثة أهل غزّة، وإسعافهم؛ وعن سبل وقف الموت قصفاً، وجوعاً، وعطشاً، وبرداً، وحرّاً؛ وعن مواجهة مشاريع الترحيل، والتطهير، والإبادة، والتدمير، وكلّ الفظاعات التي تجلبها آلة الاستعمار البشعة. كما ينشغلون في ابتداع أشكال التضامن مع الغزّيّين ومع مقاومتهم، وطرق تعرية المستعمِر.

أمّا عن مستقبل قطاع غزّة، فيتساءل الأحرار عن الموارد والإمكانات: ماذا سيأكل ويشرب الغزّيّون؟ أين سينامون؟ إلى أيّ مقاعد دراسة سيتوجه أطفالهم؟ وفي أيّ مشفى سيتطبّبون؟ وكم ستستغرق عمليّة إعادة إعمار قطاع غزّة بعد أن أُثقل بالركام؟ ويتساءلون عن أفق الوحدة الوطنيّة، ووحدة التمثيل، واستدامة المقاومة، وكلّ ما هو ضروريّ لممارسة تقرير المصير. ويقلقون على الضفّة الغربيّة ويخشون الخطوة التالية في المشروع الاستعماريّ هناك، فهم يدركون أنّ أسئلة المستقبل لا تقتصر على قطاع غزّة، فالمشروع الاستعماريّ يمتدّ إلى كلّ أجزاء فلسطين.

وأكثر من ذلك، يدرك من هم في خندق الحرّيّة، أنّ ما يجري في غزّة وفي فلسطين بشكل عامّ، هو تعبير متقدّم عن المشروع الفاشيّ الذي تحاول قوى النيوليبراليّة الأوليجاركيّة من خلاله الحفاظ على مكتسباتها – الحفاظ على ثروة الـ0.1%، وهيمنتها على حياة (وموت) باقي البشر.

إنّ ما تكشّف بجلاء خلال عدوان الإبادة على غزّة من تقاعس فاضح في إعمال القانون الدوليّ، واحتقار لمبادئ حقوق الإنسان والقيم الإنسانيّة، بيّن أيضاً أنّ ما يحدث في فلسطين يمكن أن يحدث في بقاع أخرى من هذا العالم. لقد اخترقت إسرائيل الخطوط الحمراء الوهميّة التي كانت تتشدّق بها النخب الليبراليّة في الغرب، بدعم من هذه النخب تحديداً. وكان هذا الاختراق إعلاناً عن تخلّي هذه النخب عن وعودها، وحتّى عن شعاراتها الزائفة. وتمّ تأكيد هذا الإعلان في كلّ اعتداء على الحرّيّات المدنيّة والسياسيّة في الدول التي طالما تشدّقت بهذه الحرّيّات، والتي أطاحت بأنظمة لا تعجبها بذريعة "حماية" هذه الحرّيّات والدفاع عنها. وصارت تخترقها كلّ يوم، وبشكل سافر، في عقر دارها. هذا هو ما يقف خلف السؤال الذي بات يتردّد من أقاصي الشرق إلى أقاصي الغرب: كيف يكون مستقبل العالم بعد مجازر غزّة؟ ما هو مستقبل القانون الدوليّ بعد غزّة؟ هل من متّسع لحقوق الإنسان بعد غزّة؟ هل يوجد للديمقراطيّة مغزى بعد غزّة؟

لقد انتصرت النيوليبراليّة منذ فترة، ولكنّها لم تعلن عن دفن العقيدة الليبراليّة بشكل كامل إلّا الآن (إبّان احتضار النيوليبراليّة نفسها). وجاء إعلان الدفن مع كلّ قطعة سلاح، وقطعة غيار، وتصريح يعرب عن "تفهّم" العدوان الإسرائيليّ على الفلسطينيّين، ومع كلّ تصنيف للعدوان تحت بند "الدفاع عن النفس"، ومع كلّ إشارة وتصريح وقانون جعل من الاحتجاج ضدّ آلة الإبادة الإسرائيليّة فعلاً "معادياً للساميّة".

بات الإعلان عن دفن العقيدة الليبراليّة ضروريّاً لأنّ هذه العقيدة، في نسختها الأخيرة، التي نشأت بعيد الحرب العالميّة الثانية، ليست مواتية لصعود الفاشيّة، ولتجاوز الديمقراطيّة الليبراليّة، ولتحييد القانون الدوليّ (تمهيداً لاستبدال القانون بشريعة غابٍ، تُلحق الحقّ بالقوّة، تحلّ محلّه، وتطبّع سيادة الأقوى)، وللتخلص من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان في سلّة المهملات، ولتحييد المؤسّسات الأمميّة، ونزع أيّ سلطة لديها (حتّى السلطة الرمزيّة).

لا توجد في عالم تسيطر عليه النيوليبراليّة الأوليجاركيّة، التي تنزع نحو الفاشيّة، مقوّمات لإنقاذ قطاع غزّة، ولا لدرء توسّع مشروع الإبادة الصهيونيّ إلى باقي فلسطين، ناهيك عن حلّ القضيّة الفلسطينيّة حلاً عادلاً. ما تسعى إليه الصهيونيّة اليوم، ويدعمها في مسعاها حلفاؤها الإمبرياليّون، هو إلغاء القضيّة الفلسطينيّة عن طريق محو الفلسطينيّين، واستعباد بقاياهم. إنّها تعمل على ترسيخ وتطبيع نظام أبارتهايد جديد، عابر للحدود: حقوق مختلفة، ونفي حقّ تقرير المصير، ومنع السيادة عن الفلسطينيّين، واللبنانيّين، والسوريّين، والعراقيّين، والإيرانيّين، والأردنيّين، والحلقات تضاف تباعاً إلى السلسلة.

لذلك، تشكّل مجابهة المشروع الأوليجاركيّ الفاشيّ، ووقفه، شرطاً لتحقيق العدل في فلسطين. ولا تتمّ المجابهة في فلسطين وحدها، ولا فقط من أجلها، وإنّما على المستوى العالميّ، ومن أجل البشريّة. ويعني ذلك أنّ فلسطين، التي تشكّل اليوم بؤرة ساخنة في الصراع على مستقبل النظام العالميّ، هي أحد خطوط النار المشتعلة في الحرب بين السلم والفاشيّة. ليست القضيّة الفلسطينيّة قضيّة منعزلة، ولا يمكن معالجتها محلّيّاً. هي نقطة بداية، ولكنّ حلّها العادل سيكون مقدّمة لنهاية المشروع الفاشيّ. ويمكن لفلسطين أن تكون مقدّمة السقوط العالميّ للفاشيّة الصاعدة قبل أن تطغى، وتغمر حياة البشر بالسواد. هكذا غدت القضيّة الفلسطينيّة، اليوم أكثر من أيّ وقت سابق، قضيّة عالميّة، يشكّل الاصطفاف حولها نموذجاً للشرخ العالميّ بين قوى الهيمنة والدمار من جهة، وقوى الحرّيّة والعدالة من جهة أخرى. ويضع ذلك على الفلسطينيّين مهمّة أكبر من ذي قبل، ليس في تحرير أنفسهم بأيديهم من الظرف الاستعماريّ الصهيونيّ، بل في رفد قوى التحرّر العالميّة بمنصّة نضاليّة ضدّ الفاشيّة الصاعدة، تساهم في تحرير الفلسطينيّين، وفي رسم معالم عالم خالٍ من الفاشيّة.

محاور المؤتمر

يناقش مؤتمر مواطن السنويّ الثلاثون هذه القضايا في نطاق ينظر إلى مكانة القضيّة الفلسطينيّة في الصراع على النظام العالميّ القادم: الصراع بين الأوليجاركيّة والتحرّر. وسيعرض المؤتمر لهذه القضايا ضمن ثلاثة محاور:

المحور الأوّل: فلسطين بصفتها بؤرة لصراع عالميّ

يخصّص هذا المحور لنقاش معالم مقاربة جيوسياسيّة للقضيّة الفلسطينيّة بصفتها إحدى جبهات صراع عالميّ متعدّد الجبهات، وتحديد سمات هذه الجبهة، وخصوصيّاتها، ودورها. ويشمل هذا المحور نقاش سبل تشبيك الجبهات المختلقة (التضامن)، مع أخذ الأبعاد الإقليميّة والعالميّة بعين الاعتبار. ونقاش تبعات التمييز بين الحكومات والشعوب، فيما يخصّ التضامن، على طبيعة عمليّة التشبيك والأفعال التضامنيّة، وآليات تحويل التضامن الشعبيّ إلى فعل دوليّ. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقّع أن يتناول هذا المحور شروط ومواصفات النظام العالميّ القادر على تجاوز أزمات النظام الراهن.

المحور الثاني: صوغ القضيّة الفلسطينيّة في ضوء موقعها في الصراع العالميّ

سيتم في هذا المحور نقاش أولويّات معركة التحرّر الفلسطينيّة، وطبيعة الائتلاف الوطنيّ أو الجبهة الوطنيّة القادرة على العمل وفق هذه الأولويّات. إنّ انغماس النضال الفلسطينيّ في حركة عالميّة يتطلّب من الفلسطينيّين مواقفَ لا تقتصر على تعرية الانتهاكات الإسرائيليّة وممارساتها الاستعماريّة العنصريّة، ولكن دمج هذه المواقف مع مناصرة القضايا التحرّريّة حول العالم، مع الحفاظ على مركزيّة الواقع اليوميّ في فلسطين بالنسبة إلى الفلسطينيّين. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقّع أن يتناول هذا المحور شروط إحداث التغيير المجتمعيّ.

المحور الثالث: أفق مساهمة القوى التحرّريّة في رسم معالم العالم المقبل

يخصّص هذا المحور لنقاش مدى إمكانيّة انتقال المبادرة في رسم معالم النظام العالميّ من القوى المهيمنة، التي تعاني من أزمات شديدة، ومتكرّرة، ومتعدّدة التجليّات، إلى القوى التحرّريّة، التي همّشتها قوى الهيمنة على مدى العقود المنصرمة، وخصوصاً منذ ترسخ النظام النيوليبراليّ في مطلع تسعينات القرن الماضي، وانهيار المعسكر الاشتراكيّ، واضمحلال الدور العالم-ثالثيّ. وعلى وجه التحديد، يسعى هذا المحور إلى فحص إمكانيّات وفرص إدخال تعديلات راديكاليّة على منظومة حقوق الإنسان (مع الحفاظ على المبادئ السامية التي تستند إليها)؛ وإمكانيّة تقديم وتبنّي نماذج بديلة للديمقراطيّة، قائمة على تحقيق الإرادة العامّة، ومختلفة عن الديمقراطيّة الليبراليّة والديمقراطيّة المركزيّة. ويؤمل في هذا المحور أن يتمّ فحص وجود أنوية للمنظومات الحقوقيّة والسياسيّة البديلة في التاريخ المعاصر.

 

 

جورج جقمان    

العالم ما بعد غزة

تعنى هذه المداخلة بالخطوط العريضة لمسلك إسرائيل خلال حرب الإبادة مثيرة مجموعة من الأسئلة النقدية حول أسباب ما يراه البعض أن "إسرائيل أصبحت الآن مرادفة لنهاية النظام القائم على القواعد"، أي ليس فقط القانون الدولي الإنساني وإنما مجمل القواعد التي أقرت جزئيا كنتيجة للمحرقة (الهولوكوست) والحرب العالمية الثانية خاصة. وستحاج المداخلة أنه يوجد حاجة لدراسة موثقة ترصد آلية اتخاذ القرار في ولاية الرئيس بايدن والولاية الثانية للرئيس ترامب كأمثلة، بما في ذلك أي دور ممكن لأطراف موالية لإسرائيل في اختيار المستشارين الرئيسين، وكذلك اختيار أعضاء مجلس الأمن القومي الذي له دور رئيسي في السياسة الخارجية، وأن هذا أحد أسباب تمكن إسرائيل من الإمعان في حرب الإبادة.  إضافة، ما إذا كان هناك عوامل أخرى تستخدمها إسرائيل للتأثير على صنع القرار في دول أوروبية رئيسية اكتفت حتى الآن بالشجب دون خطوات عقابية فاعلة على إسرائيل بسبب حرب الإبادة. وستحاجج المداخلة أن القول الذي يتكرر في الإعلام العربي ووسائط التواصل الاجتماعي أن إسرائيل "رأس حربة" لهذه الدول خاطئ، أو على الأقل مبالغ فيه، أي أن لهذه الدول مصلحة إستراتيجية مع إسرائيل في هذه الحرب، حتى لو تلاقت بعض هذه المصالح في بعض الحالات تاريخيا، ولكن ليس ضرورة في كافة النواحي السياسية المتعلقة بحرب الإبادة.

هاريس داميانيدس

فلسطين بصفتها بؤرة لصراع عالمي

تظل القضية الفلسطينية قضية عالقة ومتطورة ضمن النظام العالمي، حيث تتقاسم مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة مسؤوليتها على مدى عقود طويلة. ومن أبرز أبعادها أهميتها الجيوسياسية، إذ تتمتع فلسطين بموقع استراتيجي قرب الممرات الرئيسية للطاقة التي تؤثر على الأسواق العالمية والتحالفات الإقليمية.

خلال التصعيد الأخير، الذي وُصف على نطاق واسع بأنه إبادة جماعية، جرت أمام أعين المجتمع الدولي، برزت مظاهر التضامن بأشكال متعددة حول العالم. على المستوى الحكومي، تجنبت الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية دعم الشعب الفلسطيني، متبنيّة موقفاً براغماتياً و"حيادياً" ظاهرياً تجاه أفعال إسرائيل. ومع ذلك، خالفت دول مثل جنوب إفريقيا هذا النهج ولجأت إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي. وعلى عكس المواقف الرسمية، شهد العالم تعبئة شعبية واسعة، شملت مظاهرات وفعاليات تضامنية، وفي عدة حالات تعرّض المتظاهرون – خصوصاً طلاب الجامعات في الولايات المتحدة – إلى قمع من قبل حكوماتهم.

علاوة على ذلك، تُعد أزمة غزة وما أعقبها من مجاعة مثالاً على كيفية تجلّي الأزمات في النظام الرأسمالي بأشكال متعددة، مثل الحرب والحرمان الشامل. وفي ظل البيئة العالمية الراهنة، التي تتسم بتنافس شديد بين الدول الرأسمالية، لا يزال احتمال تأسيس نظام دولي جديد يتجاوز هذه الأزمات غير مؤكد. لذلك، يبدو الانتقال إلى نظام اقتصادي بديل حلاً أكثر واقعية واستدامة.

إلِف دورموس

فلسطين بصفتها نقطة تحول في “ملكية” القانون الدولي

وضع القانون الدولي الويستفالي من قبل القوى الأوروبية الإمبريالية الاستعمارية، وأصبح ملكاً لها، بهدف تنظيم العلاقات فيما بينها، بصفتها الوحيدة التي تتمتع بسيادة متساوية. مع مشاركة القوى الإمبريالية الشرقية مع الغرب في لغة القانون الدولي، إضافة إلى موجات إنهاء الاستعمار التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، برزت تعددية في الدول ذات السيادة، ما أسفر عن ظهور ما يُعرف بشعوب "الجنوب العالمي".

لم يقتصر طموح هذه الشعوب ودولها على تحقيق درجات من السيادة فحسب، بل طالبت أيضاً بالملكية المشتركة على مجموعة المعايير والخطاب واللغة الّتي تشكل القانون الدولي، وشاركت في مناقشة محتواه وتطويره تدريجياً، ما ساهم في تشكيل ما يُعرف اليوم بالقانون الدولي الإيجابي. في الوقت الذي نشأ فيه تيار "مقاربات العالم الثالث للقانون الدولي" (TWAIL) كحقل أكاديمي ونهج دوليّ، ظل الغرب حتى وقت قريب يتمتع بمكانة متميزة ومرجعية ذاتية كـ "مالك" للقانون الدولي، سواء في نظره أو في نظر العالم.

فلسطين اليوم، حيث تُبث الإبادة الجماعية مباشرة، ويستمر الاحتلال غير القانوني، وفي الوقت الّذي يشهد الغرب فيه تراجعاً تاريخياً في الاهتمام بالأممية الليبرالية، تُحطم ما تبقى من أوهام حول تمثيل الغرب ومؤسساته لجوهر القانون الدولي.

انطلاقًا من تاريخ القانون الدولي وعلم اجتماع المعايير، تستعرض هذه المداخلة نقطة التحول التي أحدثتها فلسطين من خلال معاناتها ومقاومتها: تحول تاريخي في التصورات العالمية والذاتية حول ملكية القانون الدولي، من الدول الإمبريالية إلى الطلاب والمقرّرين الخاصين والبحّارة.

سلام بطمة

الإبادة المشتركة: الإنسان والطبيعة في النظام العالمي الجديد

تنطلق هذه المداخلة من تحليل التحوّلات العالمية الراهنة بوصفها المولّد البنيوي لصعود نظام رأسمالي يتخطّى النيوليبرالية الكلاسيكية نحو فاشيّة كوكبية تُشرعن العنف الموجَّه ضدّ الإنسان والبيئة معاً. فعلى الرغم من وفرة التمويل الدوليّ وتكاثر المبادرات المناخية، يشهد العالم انهياراً مروّعاً في منظومة القوانين والمعايير التي بُنيت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك القوانين البيئية التي تطورت خلال العقود الستة الماضية.

ستحاول المداخلة إظهار كيف أنّ الفشل في وقف تدمير غابات الأمازون، والسماح بالتدمير البيئي في الحرب الروسية الأوكرانية، والمجازر البيئية والبشرية في قطاع غزّة، كلّها تجسّد حالة واحدة: حيث لا يعكس صمت العالم أمام منطق الإبادة عجزاً بقدر ما يكشف عن رفض مقصود لمواجهتها حين يغدو السوق والسيادة الرأسمالية هو الحكم الوحيد. فالعالم الذي صمت عن الإبادة في غزّة هو ذاته الذي يقف عاجزاً أمام الإبادة البيئية، ما يكشف التحالف البنيوي بين العنف السياسي والعنف البيئي تحت مظلة النظام الرأسمالي العالمي.

وتطرح المداخلة سؤالاً جوهرياً: ما معنى هذه التحولات للعالم وللحروب القادمة؟ وهل ما نشهده هو بداية "تطبيع الإبادة" - حيث يصبح التدمير الشامل للبشر والطبيعة معاً أمراً عادياً؟ تحاول تحليل هذه الأسئلة في ضوء التطور نحو الأوليجاركية الفاشية، وتبحث في إمكانات استعادة مفهوم العدالة البيئية كجزء من مشروع تحرّري عالمي يتجاوز الفصل بين مقاومة الاستعمار والإبادة البيئية. والسؤال هنا أيضاً هو ماذا يجب علينا أن نفعل حتى يتوقف هذا التدهور؟

فإنّ ما يجري في غزة لا يجب قراءته بوصفه حدثاً استثنائياً أو محلياً، وإنما هو نموذج مكثّف لما يحدث في العالم بأسره. فغزة ليست فقط ضحية حرب، بل مرآة تُظهر انهيار النظام العالمي الحديث في لحظته النيوليبرالية المتوحّشة. العالم الذي شارك - بالفعل أو بالصمت - في الإبادة في غزة، هو نفسه العالم الذي أتاح هذا النوع من العنف أن يصبح "ممكناً" ومُتخيّلاً في بنيته الأخلاقية والسياسية والبيئية. ما حدث في غزة لم يكن ممكناً قبل عقدين، لكنه اليوم أصبح منطقاً طبيعياً واعتيادياً في نظام عالمي يسير بثبات نحو التفكك الأخلاقي والبيئي. فمنطق الصمت على الإبادة في غزة والصمت على الإبادة في العالم وعلى البيئة لهما نفس الدوافع. ومن جديد فإنّ السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: إلى أين تتجه هذه التحولات؟

خالدة جرار

الرأسمالية والعنف في منظومة السجون الإسرائيلية في زمن الإبادة

تسعى هذه المداخلة إلى الربط بين الرأسمالية والعنف في منظومة سجونها ومنها السجون الإسرائيلية باعتبار السجون فضاءً رأسمالياً ينتج الربح من القمع (ديفس 2013)، من خلال ربط السياق التاريخي للعنف الرأسمالي الاستعماري، وتشابه تشكيلاته العنيفة المتمثلة بالتعذيب والقتل والمحو والاستعباد، عبر قوننه ليبرالية تسعى لتجميله وإعطائه ما يسمى (بالشرعية القانونية) وصولاً إلى الدولة البوليسية العالمية واعتمادها على وسائل أكثر بربرية وفاشية للتراكم عبر العنف، لإفراغ تراكم رأس المال والفائض السكاني للبشرية من جانب ،وفي تورط الشركات الاحتكارية في قطاعات مختلفة وعلى وجهة الخصوص قطاع الأمن والصناعات العسكرية التي تسعى الى الربح، ليكشف عن نمط الهيمنة الاستعمارية الذي بات يعرف بالرأسمالية العنصرية الاستعمارية.

تعتبر فلسطين مختبراً نموذجياً لوحشية الرأسمالية، فهي مختبر اقتصادي أمني يطور فيه نظام عالمي لربط الاحتلال العسكري بالربح المالي، وتمثل التقاء الاستعمار بالنيو ليبرالية، حيث يعاد تدوير تقنيات السيطرة الاستعمارية القديمة ضمن منظومة رأسمالية جديدة تغلف العنف بلغة الأمن والاستقرار. وهذا ما سنستعرضه من خلال واقع السجون ووضع الأسرى وبشكل خاص الأسيرات في سجون الفاشية الصهيونية بالتركيز على العنف الجنسي الاستعماري كمكون أساسي للعنف الاستعماري الرأسمالي، ومحاولة الإجابة على السؤال حول قدرة منظومة حقوق الإنسان الحالية على الحماية، وعلى محاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المختلفة التي أظهرت ارتهانها لعلاقات القوى الاستعمارية  الرأسمالية، التي تبقيها عاجزة ومتواطئة عن حماية المقهورين في العالم من تغول رأس المال ومن تجليتاه المادية المتمثلة بالاستعمار، مما يتطلب نضالاً عالمياً يسعى الى التغيير المرتبط بالممارسة الاجتماعية الجماعية لأحرار العالم. فالمنظومة السجنية بصفتها منظومة قمع رأسمالية معولمة، تستدعي نضالاً عالمياً تحررياً مترابطاً يواجه كل أشكال الاضطهاد والفاشية من أجل تحقيق المساواة  والعدالة والحرية، ليس لفلسطين فقط وإنما للعالم أجمع.

دينا تساي

المسؤولية الجنائية للقضاة والمدعين العامين في المحاكم العسكرية الإسرائيلية: تقييم اشتراكهم في تعذيب وسوء معاملة المعتقلين الفلسطينيين

تعدّ المحكمة العسكرية الإسرائيلية أحد أهم الأنظمة الّتي يتم من خلالها فرض احتلال الأراضي الفلسطينية وإخضاع الفلسطينيين. يُحاكم الفلسطينيون وفق نظام قانوني مزدوج، وبناء على سلسلة من الأوامر العسكرية، أمام المحكمة العسكرية الإسرائيلية حيث يتم تعيين القضاء والمدّعين العامين من الجيش الإسرائيلي.

في هذا الموقع البنيوي، تتضارب الأهداف العسكرية والقانونية، ما يؤدي إلى المساس باستقلالية ونزاهة القضاة والمدعين العامين. كما يقوم القضاة والمدعون العامون بشكل فعال بتسهيل ممارسات التحقيق والاحتجاز العنيفة بدل العمل على ضبطها. بمعالجة هذه القضايا عبر القنوات القانونية، يقوم القضاة بإعطاء شرعية لهذه الممارسات التي تشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، بالرغم من المعرفة الواسعة حول انتشار العنف الممنهج وسوء المعاملة التي يواجهها الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية ومراكز الاعتقال.

تتحمل محكمة العدل العليا في إسرائيل المسؤولية الأكبر في هذا الصدد، حيث تعدّ أعلى جهة مختصة بالنظر في كل من الاعتقال الإداري والاستئناف أمام المحاكم العسكرية. بالرغم من وجود أبحاث شاسعة عن أحوال المعتقلين ونظام المحاكم العسكرية الإسرائيلية، لم يُجرى أي بحث بِشأن آليات المساءلة المتاحة للجهات الفاعلة في هذا النظام.

توصل بحثنا إلى وجود عدة أسس قانونية في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والتي بموجبها يتم تحميل القضاة والمدعين العامين المسؤولية الجنائية الفردية على أساس المساعدة والتحريض على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، أو جرائم ضد الإنسانية، أو جرائم حرب. وعلى الرغم من أنه لم يقدم أي اتهام لأي فرد على أساس المساعدة والتحريض بموجب المادة 25(3)(ج) لارتكاب جرائم الإبادة أو جرائم ضد الإنسانية، أو جرائم حرب. وأخيرا، يناقش بحثنا مسؤوليات الدول الثالثة بناءً على المسؤولية الجنائية الفردية المحتملة للقضاة والمدعين العامين.

مايكل روبرتس

الدور الاقتصادي للإمبريالية في القرن الحادي والعشرين في الشرق الأوسط

تكثّف الإمبريالية عملية استخراج القيمة من الجنوب العالمي من خلال التّجارة والتدفقات المالية. تقدّم هذه المداخلة تقديرات حول القيم الّتي يتم تحويلها وخاصة من منطقة الشّرق الأوسط.

من الميزات الخاصة للدور الإمبريالي في المنطقة هو استخدامها للكيان الإسرائيلي كأداة هجوم ضد أي معارضة، سواء من قبل قوى المقاومة أو من السكان. في المقابل، تتلقى إسرائيل "أموال حماية" على شكل مساعدات على خاصة وحكومية وتمويل عسكري. ستوفّر الورقة أيضًا تقديرات لهذه التدفقات المالية.

تَسمح الفروقات في الدخل والثروة ما بين دول الشرق الأوسط للإمبريالية والكيان الإسرائيلي كأحد وكلائها، بالحفاظ على السيطرة على المنطقة وسكانها. ستقدم هذه الورقة أحدث البيانات حول هذه الفروقات في المنطقة.

سليم أبو ظاهر

غزة بين الإبادة وإعادة التخيل: تحولات المكان وخطاب الإعمار

تعالج هذه المداخلة التحولات البنيوية والسياسية العميقة التي شهدتها غزة منذ أكتوبر 2023، وذلك من خلال ثلاث مقاربات ومحاور تضيء على أبعاد المكان وجغرافيا السيطرة، والتحولات الخطابية العالمية، وإشكاليات إعادة الإعمار والسياسات الحضرية في سياق الإبادة الجارية. حيث تهدف المداخلة إلى ربط هذه المحاور في قراءة شاملة تبرز موقع غزة في المشهد العالمي الراهن، وتفتح أفقاً نقدياً للتفكير في مستقبلها السياسي والعمراني والحقوقي. ينطلق المحور الأول من تحليل بنية السيطرة المكانية في غزة، باعتبارها نموذجاً معولماً لـ"الاحتجاز المكاني"، ليركّز على تحليل منظومة السيطرة في غزة، من خلال تفكيك البنى المكانية والأمنية والقانونية التي تنتج منظومة معقدة من الإخضاع والاحتجاز. تتناول المداخلة كيف تحولت غزة إلى عقدة مركزية في شبكات أمنية وإنمائية عابرة للحدود، حيث تتداخل أدوات الاحتلال مع آليات التمويل الدولي والحوكمة التقنية لإنتاج نظام عمراني-سياسي محكوم بالاستثناء والسيطرة المستمرة. أما المحور الثاني فيتناول التحول التدريجي في الخطاب السياسي والإعلامي العالمي تجاه الجرائم المرتكبة في غزة. فمنذ أواخر 2024، بدأت تظهر تحولات ملحوظة في دول الشمال العالمي، مع تزايد استخدام مصطلحات مثل "الإبادة الجماعية" و "الجرائم ضد الإنسانية"، مدفوعة بتراكم الجهود الحقوقية الفلسطينية، والتحقيقات المستقلة، والتحركات القانونية، وعلى رأسها لجوء جنوب إفريقيا إلى محكمة العدل الدولية، بالتزامن مع جهود الحراك الشعبي وحراك التضامن. إذ يفتح هذا التحول آفاقاً جديدة للمساءلة القانونية والدبلوماسية، رغم استمرار العوائق السياسية البنيوية.

من ناحية أخرى، يسلط المحور الثالث الضوء على إعادة الإعمار باعتبارها ساحة مركزية للصراع على مستقبل المدينة. ذلك أنه وفي مقابل المبادرات الدولية النيوليبرالية التي تفصل الإعمار عن السياق السياسي، تبرز رؤى محلية وأكاديمية قاعدية تسعى لربط الإعمار بالتحرر الوطني، والعدالة الاجتماعية، وتعزيز السيادة على الحيز العمراني والمعرفي.

محمد جمعة آلا

الشرق مرغم على البحث عن بديل حر لأنه بات مركزاً للخراب العالمي

دائماً ما كان سؤال الخصوصية بطريقة تنويرية مفتوح الأفق داخل ضمائر الشعوب ومنها شعوب الشرق الأوسط. ما حدث منذ أكثر من قرن والذي سمّي قرن القتل أننا تخلينا عن ذاك السؤال التنويري ودافعنا عن أنفسنا من خلال مرآة الغرب، هذا الذي علّمنا أننا لا نستحق مغامرة أن نكون أنفسنا. لكن ما يحدث الآن أن هذه المعادلة الأحادية قد تغيرت ولم تعد تلائم تلك الشعوب الباحثة عن ذواتها تحت فضائها الخاص من دون وصية الأخ الكبير. إن العالم بشكله التقليدي والذي رسمته طبوغرافيا قوى الهيمنة قد شاخ، وبالتحديد بعد انهيار القيم الليبرالية والرأسمالية الإنقاذية لصالح فراغٍ بات لزاماً أن يرمّم ويُهيكَل من جديد. هذا الانهيار يترافق مع صدعٍ كبير في المنظومة الدولية والتي لم تعد قادرة على اقتراح حلول لمشاكل الشرق الأوسط، فبات لزاماً علينا، باعتبارنا جزءاً غنياً من الأنثروبولوجيا الكونية، أن نقترح على أنفسنا العميقة إعادة هيكلة مصيرنا المشترك. ويبدو أن أكثر الأسئلة الملّحة في راهننا هو سؤال من نكون؟ هذا السؤال لا يُستلف بحكم طبيعته أي أجوبة جاهزة ولا يخوض إعادة ترتيب الماضي الذي لم نعد بحاجته ولم يعد هو بقادرٍ على أن يستند علينا لصيرورته وإنما مخاض السؤال هو ما الذي يجب فعله هنا والآن أي أنه سؤال الراهنية والزمن الحاضر يرغمنا على أن نفكر بحاضرنا بطريقة جذرية من دون أي وعاء هوياتي أو أيديولوجي. والسؤال الآخر هو: كيف نعيش؟ وهذا السؤال لا ينهض بمهمته اعتماداً على أفق أخلاقي جاهز أو مستورد وإنما هو اشتغالٌ أنطولوجي بجرعةٍ سوسيولوجية. إن جمالية هذا الخراب العالمي، والذي بتنا نحن الشرقيين مركزه أنه يرغمنا على البحث عن أفق بديل لإمكانية العيش بحرية.

ثاليا كروجر وغمزة تُركيللي

القانون الدولي والمحاكم الوطنية

وضع الواقع في غزة خلال الأعوام الفائتة القانونَ الدولي، والقانونَ بشكل عام، أمام امتحان حقيقي. تتناول هذه المداخلة قضيتين حديثتين في المحاكم البلجيكية، حيث يُنظَر في الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي. وقد رُفعت كلتا القضيتين أمام محكمتين مختلفتين في بروكسل.

تتعلق القضية الأولى (حكم المحكمة الابتدائية الهولندية في بروكسل بتاريخ 17 تموز/يوليو 2025) بمنع الحكومة الفلمنكية من السماح لسفينة محمّلة بمحامل دوّارة بالإبحار إلى إسرائيل، حيث كانت وجهتها. تمحور الادعاء حول وجود سبب للاعتقاد، استناداً إلى شحنات سابقة، بأن هذه المحامل الدوّارة ستُدمج في دبابات تستخدمها القوات الإسرائيلية في قطاع غزة. وبينما نجح المدّعون في هذه القضية، تخطّط الحكومة لتقديم استئناف.

أما القضية الثانية (حكم المحكمة الابتدائية الفرانكوفونية في بروكسل في قضية عاجلة بتاريخ 24 أيلول/سبتمبر 2025)، فتتعلق بطلب إلزام الحكومة بمنع جميع صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، واتخاذ إجراءات تضمن حظر كافة أشكال التجارة والاستثمار في المستوطنات غير القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إضافة إلى الإخطار بنيّة إلغاء اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. وفي هذه القضية، ورغم استناد المدّعين بشكل كبير إلى القانون الدولي كما أقرّته محكمة العدل الدولية، فإنهم لم ينجحوا في أيٍّ من مطالبهم.

باستخدام القضيتين، تحلّل هذه المداخلة مكانة القانون الدولي وقانون الاتحاد الأوروبي في المحاكم البلجيكية، وتبيّن لماذا بدت الدعاوى المستندة إلى القانون الدولي ناجحةً في الحالة الأولى (التي استهدفت إلزام الحكومة بوقف أعمال تقوم بها شركة خاصّة) ولكنها لم تنجح في الحالة الأخرى (التي كانت موجّهة لإجبار الدولة على اتخاذ إجراء).

 

دانا فراج

التحديات القانونية ومآسي الشعوب أمام محكمة العدل الدولية: التغيير ممكن!

يرتبط اختيار القضاة لتشكيل محكمة العدل الدولية، بواسطة الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، حيث يجب أن يحصل المرشح على الأغلبية المطلقة من الأصوات في الهيئتين، بالتوازنات السياسية الدولية. وكادت المحكمة أن تُحدث تغييرا في نهجها المحافظ في النظر في النزاعات المعروضة أمامها، في أكثر من حالة. تلتزم المحكمة عادة بالسوابق القضائية، مما يجعل تفسيرها القانوني محافظاً إجمالاً، خصوصاً في القضايا التي ترتبط بتطبيق اتفاقية منع الإبادة (الجانب الأول من مداخلتي)، وأقرب إلى الصيغ التوافقية الفضفاضة. ولكن، في بعض الحالات، يمكن ملاحظة تقدماً تدريجياً في آرائها، مثل حالات تقديمها رأي استشاري يتعلق بفلسطين (الجانب الثاني من المداخلة).

في الوقت الذي نعتبر فيه موضوع فعالية القانون الدولي، وغياب آليات التنفيذ، مسألة سياسية، هناك جانب قانوني لا يزال التأثير عليه، وتحسينه، متاحاً. صحيح أن التغيير الممكن بطيء وتدريجي ومرتبط بالسياق العالمي ككل. وهو يزداد صعوبة كلما كانت الدول (المستقلة سياسيا) تابعة اقتصاديا، بسبب إمكانية ممارسة الضغوط عليها من الدول القوية وأدواتها، ولكن التحام دول الجنوب، وخلفها شعوبها، سيفرض التغيير عاجلا أم آجلا، كما حدث في حقبة الستينات من القرن الماضي.

ووتر فاندنهول

الجامعات بصفتها قوى تحررية: تفكيك وبناء سياسات حقوق الإنسان في الجامعة

لقد عززت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وأعمال العنف الإبادي في غزة على مدار العامين الماضيين النقاشات داخل الجامعات حول العالم بشأن مسؤوليتها تجاه حقوق الإنسان. وبينما لا تزال بعض الجامعات متمسكة بالحياد المؤسسي، تبنّت جامعات أخرى وفعّلت سياسات لحقوق الإنسان. وغالباً ما تستند هذه السياسات إلى منظور داخلي: كيف يمكن الابتعاد عن الحياد المؤسسي من دون تعريض الحرية الأكاديمية للخطر داخل الحرم الجامعي؟ وكيف يمكن تجنّب خطر تواطؤ الجامعة نفسها في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان؟ تطرح هذه الورقة تساؤلات حول ما يتطلّبه تصميم سياسات حقوق الإنسان في الجامعات من هذا المنظور الداخلي: متى وكيف يمكن لسياسات حقوق الإنسان الجامعية أن توفّر نفوذاً لصالح التحرر والانعتاق؟ ما الذي ينبغي تجنّبه؟ وما الذي يجب وضعه في صدارة الأولويات؟

أسامة دياب

الأنطولوجيات الاقتصادية لحركات التضامن مع فلسطين

يفترض هذا البحث أن حملات المقاطعة التي تنظمها حركة التضامن مع فلسطين مدفوعة جزئيًا بالرغبة في مواجهة الأسس الأخلاقية والمادية لكل من العولمة النيوليبرالية المتداعية، والنظام اليميني المتطرف لرأس المال الكبير الصاعد. ويمكن اعتبار ذلك تكثيفاً لمشروع مضاد للعولمة على المستوى الدولي ضد كلا النظامين، والذي يهدف إلى حرمان رأس المال الكبير من فائض القيمة من خلال إبقائه متداولًا على مستوى محلي وصغير الحجم.

بالنسبة لحركة التضامن مع فلسطين، يمثل هذا المستوى مجالات اقتصادية تقوم على الملكية الجماعية، والدعم المتبادل، وأخلاق الإنتاج المنزوع الاستعمار. وبعبارة أخرى، هي مجالات يُعاد فيها تعريف القيمة على أساس التضامن بدلاً من المال. ورغم هذا التركيز على المستوى الصغير، فإن منظور الحركة واضح دولياً، حيث يربط بين الاستهلاك والإنتاج والتبادل مع السيادة الاقتصادية المحلية وعملية نزع الاستعمار على نطاق دولي.

الهدف من هذا البحث ليس قياس الإنجازات أو تحديد أثر حملة المقاطعة، بل استكشاف الدوافع الطموحة والبنيوية للحركة. وبصياغة أخرى، سيبحث البحث فيما إذا كانت حركة المقاطعة الفلسطينية تعمل كدال عائم يحمل معانٍ مختلفة للتدخل الأخلاقي والبنيوي، سعياً إلى إرساء أنطولوجيات جديدة للتبادل - إعادة تشكيل معاني وعلاقات الإنتاج والاستهلاك حول قيم أخلاقية ومحلية وتضامنية - في مواجهة أنماط رأس المال الكبير عبر الوطني لاستخراج الفائض وتراكمه.

لتحقيق ذلك، سيجمع البحث منهجياً بين تحليل التجارة للسلع التي تم مقاطعتها، وتحليل الخطاب للسرديات المرتبطة بالمقاطعة، وتحليل الشبكات للحركات المؤيدة لفلسطين. وإلى جانب حملات الاستهلاك، سيفحص البحث أيضاً شبكات الإنتاج المؤيدة لفلسطين.

حازم جمجوم

تغيير نظريات التغيير: مراجعة في ضوء صعود الفاشية

تعنى هذه المداخلة بنظريات التغيير الفاعلة داخل حركة التحرير الفلسطينية، وبخاصة روافدها الدولية (التضامن)، في ضوء ما أسمّيه "تصلّب النظام" أي تراجع قابلية مؤسسات الدولة وأنظمة الحكم للتأثر بالتحريض والضغط الشعبي والمدني. أزعم عموماً أن ردود فعل الدولة والمجتمع على حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، التي ركّزت بشكل خاص على سكّان غزة منذ عام 2023، قد لعبت دوراً أساسياً في تمكين وتسريع عملية الانتقال نحو تعمّق الفاشية العالمية، وأن تصلّب النظام يشكّل جوهر هذا التحوّل. ويستلزم ذلك تحوّلاً في نظريات التغيير (وبالتالي في الاستراتيجيات والتكتيكات) التي تعتمدها الحركات الشعبية الساعية إلى تحقيق العدالة ومواجهة الإبادة الجماعية الاستيطانية الاستعمارية.

يقدّم الجزء الأول من الورقة عرضاً لما أعتبره نظريات التغيير التي تبنّتها أكبر فصائل الحركات الشعبية المناصرة لتحرير فلسطين. ومن خلال قراءة هذه النظريات عبر أنواع الحركات والحملات المختلفة (حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، التحريض المؤسساتي داخل المجتمع المدني، استخدام المحافل القانونية الدولية، التثقيف الشعبي والتعبئة)، أجادل بأن هذه الحركات قد تبنّت، في المجمل، نظريات تغيير تفترض وجود مؤسسات فاعلة ضمن النظام الديمقراطي البرجوازي. وبوصف الحركة المناهضة للإبادة الإسرائيلية في غزة بأنها أكبر تعبئة جماهيرية شعبية مستدامة في التاريخ الحديث، أرى أن الفشل في وقف الإبادة الجماعية شكّل الدليل الأوضح على عدم كفاية نظريات التغيير هذه، وأنه كشف عن الفاشية بوصفها السمة الأساسية للنظام السياسي الدولي اليوم. وتختتم المداخلة بفحص لحظات النجاح خلال العامين الأولين من حركة مناهضة الإبادة الجماعية، بهدف اقتراح مسارات نحو نظريات تغيير تستجيب لواقع الفاشية العالمية.

بيان عرقاوي ومنيس الفار وطارق صادق

الاقتصاد السياسي للاحتجاج: الناشطية الطلابية في الجامعات الغربية والعربية أثناء الإبادة في غزة

أشعلت الإبادة في غزة غضباً عالمياً، حيث أصبح الحرم الجامعي مركزاً رئيسياً للتضامن والاحتجاج الدولي. في العديد من الدول الغربية، نظم الطلاب احتجاجات واعتصامات وورش عمل تعليمية وحملات لسحب الاستثمارات، بهدف فضح الروابط المالية والبحثية للجامعات مع قطاع الصناعة العسكرية. وقد أثارت هذه التعبئة اعتقالات جماعية وتعليقات دراسة وتدخلات عنيفة من قبل الشرطة في ربيع عام 2024. على النقيض من ذلك، ورغم التماسك العاطفي العميق تجاه الفلسطينيين بين العرب، ورغم التهديد السياسي الذي يشمل الاحتلال والهجمات العسكرية والتهديد الديموغرافي للدول العربية، كانت الاحتجاجات الجامعية المماثلة متقطعة، وظلت معظم الجامعات العربية صامتة مؤسسياً أو خاضعة لرقابة صارمة. تقوم هذه المداخلة على إطار سياسي واقتصادي ماركسي لتفسير هذا التباين اللافت في شكل الاحتجاجات الجامعية وكثافتها ووضوحها بشأن الإبادة في غزة بين الجامعات الغربية والعربية. وتهدف إلى الإجابة عن هذا السؤال من خلال إجراء تحليل مقارن عبر خمسة أبعاد: استقلالية المؤسسات والحكومة، وأشكال القمع في المجال العام، والعلاقة بين الدولة ورأس المال والجامعة، والهشاشة الاقتصادية ومخاطر الطلاب، والليبرالية الجديدة في التعليم العالي.

سوزان أبو الهوى

قصص وشوارع: تفعيل القوى الأصلانية

أسوة بغيرهم من الشعوب المستعمرة، سعى الفلسطينيون مراراً إلى إيجاد الحلول في ساحات متحيّزة ضدهم هيكلياً، وتحديداً طاولات المفاوضات الدبلوماسية الّتي تصممها القوى الاستعمارية وممولوها. من مراسلات الحسين-مكماهون حتى اتفاقيات أوسلو، لم تسفر هذه "الغرف المغلقة" إلا عن نتائج عمّقت الحرمان بدل استعادة الفاعلية. لم نحقق أي مكاسب استراتيجية من خلال المشاركة في أطر مفروضة، بل من مواجهة السرديات التي تعزز الاحتلال. منذ الثورة الكبرى (1936–1939)، تجلت قوتنا في لحظات تحدّت شرعية الاحتلال وأحدثت تحولاً في النظرة العالمية. لم تشكل الانتفاضة الأولى، على سبيل المثال، تهديداً ملموساً على هيمنة إسرائيل العسكرية – بل نبعت قوتها الحقيقية في الصور التلفزيونية للأطفال وهم يتصدون للدبابات، والتي كسرت احتكار المحتل للسردية. لم تكن هذه مجرد إيماءات رمزية، بل شكلت ضغطاً على سمعة الاحتلال وأجبرت على إعادة ضبط ديناميكيات القوة. لم تحقق إسرائيل انتصارها في تلك المرحلة من خلال المواجهة العسكرية مع الشعب الفلسطيني، بل تمثل نجاحها في إبعاد الفلسطينيين عن ساحات قوتهم الفعلية (الشوارع المفتوحة وسردهم الشعبي) وإعادتهم إلى نطاق القوة الاستعمارية (غرف النخبة والسرية الدبلوماسية).

تستعرض هذه المداخلة مجالات القوة التي لا يستطيع نظام الاحتلال تقييدها: التعبئة الجماهيرية والسرد الحر والشرعية الأصلانية. فالشارع ليس مجرد فضاء للاحتجاج، بل ميدان قوة بنيوية. ولتحقيق الانتصار، يجب خوض معركة فلسطين وسردها في هذا الميدان.